أثارت عودة دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة حالة من الترقب والقلق داخل أوساط أجهزة الاستخبارات الأوروبية، ولا سيما في ظل عدم وضوح السياسة الأمريكية المقبلة، فيما يتعلق بالتعاون الأمني وتبادل المعلومات الحساسة.
وتخشى الدول الأوروبية من أن تؤدي سياسات ترامب الانعزالية أو المتقلبة إلى تراجع مستوى الشراكة الأمنية العابرة للأطلسي؛ ما قد يفرض على أوروبا مراجعة إستراتيجياتها وتعزيز استقلالها في مجال الاستخبارات.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، فإن المخاوف الأوروبية تصاعدت عقب قرار واشنطن تعليق دعمها الاستخباراتي لأوكرانيا بين الـ5 والـ8 من مارس؛ ما شكل صدمة حقيقية لدى الشركاء الأوروبيين ودفع إلى إعادة تقييم أسس التعاون القائم.
وفي هذا السياق، احتل موضوع مستقبل التعاون الاستخباري حيزًا مهمًّا خلال زيارة وزير الجيوش الفرنسي، سيباستيان لوكورنو، إلى واشنطن منتصف أبريل الحالي. كما انعكس القلق الأوروبي خلال الاجتماع السنوي لقدرات التحليل الاستخباري المشترك للاتحاد الأوروبي (SIAC) الذي عقد في بروكسل في الـ11 من أبريل.
وشهد الاجتماع حضورًا لافتًا لكبار مسؤولي الاستخبارات الأوروبية، في رسالة واضحة على أهمية تعزيز القدرة التحليلية الذاتية للدول الأوروبية تحسبًا لأي تراجع أمريكي مفاجئ.
وأثار تقرير تقييم التهديدات السنوي الصادر عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية في الـ25 من مارس، المزيد من الشكوك؛ إذ أظهرت الأولويات الأمريكية الجديدة اهتمامًا متزايدًا بمكافحة المخدرات على حساب التهديدات الجيوسياسية التقليدية، مثل: الصين وروسيا.
وأشار العديد من المراقبين الأوروبيين إلى أن هذا التغيير دليل إضافي على توجه الولايات المتحدة نحو سياسة أكثر انعزالية.
وأكد تقرير "لوموند" أن التغييرات في قيادة الأجهزة الاستخبارية الأمريكية بدورها لم تمر دون انتباه، حيث تسبب تعيين تولسي غابارد مديرة للاستخبارات الوطنية، بقلق واسع بسبب مواقفها السابقة المثيرة للجدل وعلاقاتها مع شخصيات مرتبطة بالكرملين.
ورغم هذه المخاوف، تؤكد مصادر أوروبية أن التعاون العملي في الملفات الحساسة لا يزال قائمًا حتى الآن.
وشدد التقرير على أنه في ظل هذا المشهد، تتزايد المخاوف الأوروبية من احتمال تقويض قاعدة "الخدمة الثالثة"، التي تحمي سرية تبادل المعلومات بين أجهزة الاستخبارات الحليفة.
ويخشى الأوروبيون أن يؤدي أي تهاون في تطبيق هذه القاعدة إلى تقويض الثقة الدولية في واشنطن.
ورغم استمرار التفاعل الإيجابي على الأرض، يدرك المسؤولون الأوروبيون أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ملامح العلاقة الاستخبارية مع الولايات المتحدة.
وخلص تقرير الصحيفة الفرنسية إلى القول: "إنه بينما لا توجد خطط فورية لإنشاء تحالف استخباري أوروبي مستقل، تتكثف الدعوات لتعزيز التعاون الثنائي وتوسيع الاستثمار في التقنيات السيبرانية والفضائية لتعزيز الاستقلالية الإستراتيجية الأوروبية".