على الرغم من الحكم التاريخي بسجن الرئيس البرازيلي السابق، جايير بولسونارو، بتهمة التآمر لإحباط نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2022، إلَّا أن تأثيره السياسي لا يبدو قابلًا للإيقاف.
وكشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن بولسونارو، الذي قاد حركة "بولسوناريسمو" وأصبح رمزًا لليمين المتطرف في البرازيل، قد يكون خلف القضبان، لكن قاعدته الشعبية الواسعة ما زالت قوية، وتثير مخاوف من صراع داخلي على قيادة الحركة قبل انتخابات 2026.
ويرى الخبراء أن الحكم القضائي الصادر عن المحكمة العليا، والذي قضى بسجن بولسونارو لمدة تزيد عن 27 عامًا، يمثل سابقة تاريخية في تاريخ البرازيل الحديث، كونه أول مرة يُدان فيها رئيس سابق بمحاولة قلب ديمقراطية بلاده. وإلى جانبه، أُدين سبعة متواطئين من بينهم قادة عسكريون بارزون ورئيس الاستخبارات السابق، في خطوةٍ وصِفَت بأنها تحذير واضح ضد أي محاولات لإضعاف الديمقراطية.
ورغم ذلك، تُواصل "بولسوناريسمو"، الحركة السياسية التي أسَّسها بولسونارو، الحفاظ على شعبيتها في قطاعات كبيرة من المجتمع، بما في ذلك المجتمع الإنجيلي، والمناطق الزراعية، وأجهزة الأمن، بالإضافة إلى شرائح من الطبقة الوسطى المحافظة، كما أن الاحتجاجات المؤيدة لبولسونارو لا تزال تجذب عشرات الآلاف، وهو ما يعكس استمرار الزخم الشعبي حتى في غياب مؤسس الحركة.
في المقابل، وبحسب مراقبين، بدأت ملامح الصراع على الوراثة السياسية للحركة تتضح؛ فالمرشحون المحتملون يشملون ابنه، فلَافيو بولسونارو، والسيدة الأولى السابقة ميشيل بولسونارو، التي تحظى بشعبية كبيرة بين النساء المحافظات والناخبين الإنجيليين.
المحللون السياسيون يعتبرون ميشيل شخصيةً قوية يمكن أن تتحول إلى رمز جديد للتيار اليميني، بينما يسعى محافظون آخرون مثل حاكم ساو باولو السابق تارسيسيو دي فريتاس إلى جمع دعم قواعد "بولسوناريسمو" التقليدية، خاصة بعد الهجوم الخطابي على القضاء الذي نفذه قبيل الحكم.
من جهة أخرى وبحسب "الغارديان"، فإن الدور الخارجي للولايات المتحدة يضيف بعدًا آخر للصراع الداخلي؛ إذ إن دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبولسونارو، سواء من خلال بيانات عامة أو عقوبات اقتصادية ضد خصومه، يعزز قدرة الحركة على الاحتفاظ بزخمها ويعيد تشكيل المشهد السياسي البرازيلي في ظل غياب مؤسسها.
كبار المسؤولين والخبراء يتوقعون أن الدعم الأمريكي سيستمر حتى انتخابات 2026؛ ما يجعل المنافسة الرئاسية المقبلة صراعًا مفتوحًا بين اليمين المتطرف المدعوم خارجيًّا، واليسار بقيادة الرئيس الحالي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا.
محللون بارزون يعتبرون أن "بولسوناريسمو" لم تعد مجرد حركة شخصية تعتمد على بولسونارو، بل أصبحت مؤسسة سياسية قائمة بذاتها، يمكن أن تستمر حتى بعد غياب قائدها، وهذا التحليل يشير إلى أن السجن ليس نهاية الحركة، بل بداية مرحلة جديدة من المنافسة على القيادة، مع تأثير مباشر للسياسات والدعم الخارجي على مستقبل اليمين البرازيلي.
في الوقت ذاته، يسعى المعسكر اليساري، بقيادة لولا، إلى توجيه الحركة نحو المنافسة السياسية العلنية والاستعداد لمعركة انتخابية صعبة؛ فالخبراء يتوقعون أن الانتخابات المقبلة لن تكون مجرد مواجهة بين شخصيات، بل معركة سياسية ذات أبعاد وطنية وإقليمية تشمل تأثير القوى الأجنبية.
باختصار، سجن بولسونارو لا يعني زوال "بولسوناريسمو"، بل يمثل تحولاً في طبيعة الحركة، من قيادة مركزة حول شخصية واحدة إلى صراع داخلي على الوراثة السياسية، مع استمرار تأثير الدعم الأمريكي في صياغة المشهد السياسي البرازيلي خلال العامين المقبلين.