أعادت السلطات الإيرانية فتح ملف "الحجاب الإجباري" عبر ما يُعرف بـ"قانون العفة والحجاب"، في خطوة يرى فيها محللون تصعيدًا جديدًا يأتي في لحظة بالغة الحساسية سياسيًا واجتماعيًا؛ فالبلاد ترزح تحت وطأة أزمات اقتصادية خانقة وانقسامات داخلية متفاقمة، فيما يتصاعد الغضب الشعبي نتيجة تضييق الحريات، خاصة في أوساط النساء والشباب داخل المدن الكبرى.
ويرى مراقبون أن هذا القانون لا يمكن فصله عن السياق العام المتوتر الذي تعيشه إيران، بل يُعد مؤشرًا على تعمّق الفجوة بين الدولة والمجتمع؛ فالحجاب، الذي كان يُنظر إليه كواجب ديني، بات اليوم رمزًا لصراع أكبر يتجلى في العلاقة الشائكة بين السلطة والحرية.
قال الكاتب والمحلل السياسي أحمد الخضر، إن فرض قانون الحجاب الإجباري في إيران، المعروف باسم "قانون العفة والحجاب"، سيؤدي إلى تصاعد الاضطرابات في الشارع الإيراني، الذي يعاني أصلًا من قيود شديدة على الحريات الشخصية.
وأوضح الخضر، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن توقيت هذا القرار، في ظل حاجة البلاد إلى مرونة أكبر في التعامل مع قضايا الحريات، سيؤجج مشاعر الغضب، خاصة لدى النساء، ما قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من الاحتجاجات يقودها مدنيون ومثقفون في ظل استمرار التدهور الاقتصادي.
وأضاف أن تشديد الإجراءات ضد ما يُعتبر "تجاوزات في المظهر" يعكس نزعة سلطوية متزايدة من جانب الحكومة، مما يعزز مشاعر القمع ويعمّق الفجوة بينها وبين فئات واسعة من الشعب.
وحذّر من أن هذا النوع من السياسات من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الاحتقان الاجتماعي، قد يفضي إلى احتجاجات أكبر وأكثر تأثيرًا، مع تزايد الضغط الشعبي وارتفاع معدلات الاستياء العام.
وأشار الخضر إلى أنه، بدلًا من فرض قوانين صارمة، كان من الأجدى للحكومة أن تلجأ إلى التوعية والإرشاد المجتمعي، ما قد يؤدي إلى نتائج أكثر فعالية دون خلق حالة تصادمية مع المواطنين.
وأكد أن المضي في هذا النهج المتشدد لن يؤدي إلا إلى تعميق الانقسامات بين السلطة والشعب، وتهديد الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.
وفي السياق ذاته، قال الناشط الحقوقي نضال هوري إن الصراع بين التيارات العلمانية والمحافظة في إيران قائم منذ الثورة عام 1979، ويتجدد بشكل حاد مع كل استحقاق انتخابي، مضيفًا أن تدخلات الغرب في الشؤون الإيرانية عمّقت هذا الصراع، وجعلت من قضية الحجاب نقطة تمركز للانقسامات السياسية والاجتماعية.
وأوضح هوري، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن الحجاب في إيران لم يعد مجرد لباس، بل تحوّل إلى رمز أيديولوجي تستخدمه السلطة كأداة لفرض رؤيتها، وهو ما يثير الاستياء، لا سيما بين النساء والشباب في المدن الكبرى، مؤكدًا أن فرضه كقانون إلزامي يمثل انتهاكًا لحرية الاختيار، خصوصًا في مجتمع متعدد الثقافات والمذاهب كالمجتمع الإيراني.
وأشار إلى أن حادثة وفاة مهسا أميني عام 2022، بعد احتجازها بسبب مخالفة قواعد الحجاب، كانت لحظة فارقة فجّرت موجة غضب شعبية واسعة، وأعادت شعار "المرأة، الحياة، الحرية" إلى الواجهة كشعار مقاومة.
وختم بالقول إن نتائج الانتخابات الأخيرة التي شهدت عزوفًا واسعًا عن المشاركة كشفت عمق الهوّة بين النظام والشعب، ما يؤكد أن قضية الحجاب تجاوزت بُعدها الديني، لتصبح مسألة تمس هوية الدولة ومصيرها السياسي، ويُرجّح أن تستمر كمحور جدل رئيسي في الداخل الإيراني لسنوات قادمة.