logo
العالم

الصين والذكاء الاصطناعي.. هل أصبح الابتكار تهديدًا لحكم الحزب الحاكم؟

أحد الحضور في مؤتمر الذكاء الاصطناعي في شنغهايالمصدر: غيتي إيمجز

مع تصاعد التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي حول العالم، تواجه الصين تحديًا مزدوجًا؛ كيف تضمن قدرة برامج الذكاء الاصطناعي على المنافسة عالميًا، بينما تمنعها في الوقت نفسه من أن تصبح تهديدًا لحكم الحزب الشيوعي. 

تحركت بكين بحزم خلال العام الجاري، وفرضت قواعد صارمة على شركات الذكاء الاصطناعي لضمان تدريب برامج الدردشة على بيانات مُفلترة سياسياً واجتياز اختبارات أيديولوجية قبل إطلاقها للجمهور، في محاولة للتوفيق بين الطموح التكنولوجي والمخاوف الأمنية، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال".

اختبار أيديولوجي وجدار حماية رقمي

في نوفمبر 2025، أصدرت بكين قواعد رسمية تحدد معايير تدريب روبوتات الدردشة الآلية على محتوى آمن سياسياً، مع إلزام الشركات بفلترة جميع البيانات المستخدمة في التدريب بما يتوافق مع سياسات الدولة.

تشمل الإجراءات تصنيف النصوص والفيديوهات والصور المُولَّدة، لضمان إمكانية تتبع أي محتوى غير مرغوب فيه ومعاقبة المسؤولين عنه. 

أخبار ذات علاقة

علما الصين واليابان

التحذير النووي الصيني لليابان.. رسالة ردع أم بداية سباق تسلّح آسيوي؟

وخلال حملة إنفاذ استمرت ثلاثة أشهر، أزالت السلطات نحو 960 ألف محتوى اعتبرته غير قانوني أو ضاراً، مؤكدة تصنيف الذكاء الاصطناعي كتهديد محتمل على غرار الكوارث الطبيعية والأوبئة في خطة الاستجابة الوطنية للطوارئ.

كما خضعت جميع النماذج الجديدة لاختبارات سياسية صارمة، شملت نحو ألفي سؤال تحاكي سيناريوهات محاولة تقويض سلطة الدولة أو التحريض على التمييز والعنف؛ ويجب على برامج الدردشة رفض 95% على الأقل من هذه الاستفسارات.

وأوضح الخبراء أن هذه الاختبارات تتطلب خبرة متخصصة، ما أدى إلى ظهور وكالات تساعد الشركات على اجتيازها، تمامًا كما يتم تحضير الطلاب لاختبارات قياسية مثل SAT.

الابتكار مقابل الرقابة

بالرغم من الرقابة الصارمة، تحرص الصين على الحفاظ على تنافسية نماذجها عالمياً، خاصة أمام النموذج الأمريكي الأقل تقيداً. 

تُظهر الاختبارات أن بعض الروبوتات الصينية يمكن "اختراقها" عند استخدام اللغة الإنجليزية، إذ يمكن للمستخدمين التحايل على المرشحات للحصول على معلومات خطرة، مثل تعليمات حول تصنيع متفجرات، وهو ما يعكس التحدي المزدوج لبكين؛ حماية النظام دون إضعاف قدرة الذكاء الاصطناعي على الابتكار.

ويشير الباحث مات شيهان من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إلى أن نهج الصين يوفر بعض الفوائد الاجتماعية، إذ تميل روبوتات الدردشة الصينية إلى تقليل المحتوى العنيف والإباحي، ما يجعلها أقل خطورة في بعض الجوانب، خصوصاً فيما يتعلق بالأطفال. 

أخبار ذات علاقة

الرئيس الصيني شي والرئيس الأمريكي ترامب

2025.. عام سباق الهيمنة التكنولوجية بين أمريكا والصين

ومع ذلك، فإن الحواجز التنظيمية الصارمة قد تحد من مرونة النماذج، ما قد يؤثر على قدرتها التنافسية على المدى الطويل.

تمثل مبادرة "الذكاء الاصطناعي بلس" التي أطلقتها الحكومة الصينية في أغسطس خطوة مهمة نحو توسيع استخدام التكنولوجيا في 70% من القطاعات الرئيسية بحلول 2027. 

وتوضح خريطة الطريق التي وضعتها بكين بمساهمة شركات كبرى مثل علي بابا وهواوي ثقة الدولة في الشراكة مع الصناعة لتعزيز الابتكار تحت إشراف صارم. 

ومن خلال جدار الحماية الرقمي، يضمن الحزب أن أي برنامج يشكل تهديدًا لنظام الحكم لن يكتسب زخماً على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يمنح الحكومة القدرة على التدخل المباشر ووقف أي محتوى غير مرغوب فيه.

وفي الوقت نفسه، تحاول بكين موازنة هذه الرقابة مع المنافسة الدولية، خصوصًا أمام النماذج الأمريكية الرائدة، التي تمتاز بحرية أكبر في التعامل مع المعلومات الحساسة. 

ويشير الخبراء إلى أن الصين بدأت تجد توازنًا معقولًا بين الحماية الاجتماعية والرقابة السياسية، مما يسمح للنظام بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي كأداة اقتصادية وعسكرية دون تهديد مباشر لاستقرار الحزب.

يظهر أن بكين تتعامل مع الذكاء الاصطناعي بحذر شديد، مع إدراكها لأهمية الحفاظ على السيطرة السياسية إلى جانب الابتكار التكنولوجي. ومع استمرار تطور هذه التقنيات، سيظل التحدي الأكبر للصين هو ضمان أن تبقى أدوات المستقبل في خدمة مصالح الدولة دون الإضرار بالقدرة التنافسية على الساحة العالمية.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC