مرّ البرنامج النووي الإيراني بمراحل معقدة من الصراع والشد والجذب مع القوى الدولية، وعلى امتداد نصف قرن تراوح التعاطي الغربي مع الملف الإيراني بين التحذير والمفاوضات والاتفاقات وفرض العقوبات.
وسجل البرنامج النووي الإيراني أولى خطواته سنة 1974، في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وحظي نظام الشاه حينها بدعم أمريكي، إذ منحته واشنطن مفاعلًا للأبحاث تم الانتهاء من تشييده وتشغيله في جامعة طهران.
كما عرضت واشنطن حينها بين 5 و7 مفاعلات كهرونووية، غير أن ارتفاع كلفتها دفع النظام الإيراني إلى التوجه نحو الشريك الألماني، إذ بدأ العمل على بناء مفاعلين نوويين في بوشهر سنة 1974.
ومع اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 وسقوط نظام الشاه كان تقدم إنشاء المفاعل الأول قد بلغ 85% وتوقف الألمان عن بناء المفاعل إلى حين استقرار الوضع الأمني، غير أن الحرب العراقية الإيرانية وضعت المفاعل تحت نيران القصف العراقي عام 1987.
ووجدت طهران في الاتحاد السوفييتي حينها بديلًا لاستكمال برنامجها النووي اعتبارًا للعداء الذي أعلنه النظام بعد الثورة حيال الغرب، واستمر التعاون مع السوفييت إلى ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وتوقيع أول اتفاق بين إيران وروسيا من أجل إحياء البرنامج النووي الذي تصفه طهران بـ "السلمي".
وباشرت إيران منذ عام 1996 بناء منشأة لإنتاج الماء الثقيل في مدينة آراك (وسط إيران)، كما بدأت عام 2004 إنشاء مفاعل من تصميمها بقدرة 40 ميغاواط بالقرب من هذه المنشأة يعتمد في تشغيله على الماء الثقيل واليورانيوم الطبيعي المتوفر في إيران.
وتصاعدت الخلافات مع الغرب مع تحذير وكالة الطاقة الذرية من نيات طهران العسكرية، واتهامها بعدم التعاون مع مفتشي الوكالة، ما دفعها إلى إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي عام 2006، إذ أصدر المجلس أول قراراته (1737) ويمنع تزويد طهران بتكنولوجيا تساعدها على تطوير برنامجها النووي.
وخضع البرنامج النووي الإيراني لتفتيش مبعوثي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتوازي مع بدء مفاوضات شاقة مع مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا، إلى حين التوصل إلى اتفاق في لوزان السويسرية، التزمت فيه طهران بالحد من تخصيب اليورانيوم، ضمانًا لسلمية برنامجها النووي.
ويوم 14 يوليو 2015 وقع الطرفان اتفاقًا ينظم رفع العقوبات المفروضة على طهران منذ عقود، ويسمح لها بتصدير واستيراد أسلحة، مقابل منعها من تطوير صواريخ نووية، وقبولها زيارة مواقعها النووية، ويأتي استكمالًا لاتفاق لوزان.
غير أنّ الإدارة الأمريكية انسحبت من هذا الاتفاق سنة 2018، خلال فترة تولي الجمهوري دونالد ترامب الرئاسة.
ومنذ ذلك الحين تخضع طهران لعقوبات أضعفت اقتصادها، وتراوح المفاوضات مع الغرب مكانها، إذ تُعرب طهران عن استعدادها للتعاون والتفاوض فيما يبدي الغرب مخاوفه من نوايا طهران العسكرية.
وقبل أيام أصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارًا تقدمت به "الترويكا الأوروبية" (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) وحظي بدعم أمريكي، يدين "عدم تعاون" إيران في ما يتعلق ببرنامجها النووي، فيها أعلنت طهران بالتوازي تصعيد موقفها من خلال نيتها تشغيل مجموعة من أجهزة الطرد المركزي المتطورة.