logo
العالم

"نكهة استراتيجية".. السيطرة على موانئ بنما نقطة توتر بين واشنطن وبكين

سفينة حاويات تابعة لشركة كوسكو في قناة بنماالمصدر: وول ستريت جورنال

دخلت الجهود الأمريكية لتقليص النفوذ الصيني في قناة بنما مرحلة جمود حاد، بعدما وضعت بكين شروطًا جديدة وصفت بأنها غير قابلة للتفاوض للموافقة على صفقة استحواذ تقودها شركة "بلاك روك" على عشرات الموانئ حول العالم، من بينها ميناءان استراتيجيان على ضفتي قناة بنما. 

وتشير هذه التطورات إلى أن الصفقة لم تعد مجرد عملية تجارية، بل تحولت إلى ورقة ضغط في المواجهة الجيوسياسية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال".

الصفقة، التي تبلغ قيمتها 22.8 مليار دولار، أُعلن عنها في مارس الماضي، وتقودها "بلاك روك" بالتعاون مع شركة الشحن العملاقة "ميديتيرانيان شيبينغ" (MSC)، وتهدف إلى شراء أصول موانئ مملوكة لشركة "سي كيه هاتشيسون" التي تتخذ من هونغ كونغ مقرًا لها. 

أخبار ذات علاقة

ترامب لدى وصوله إلى كوالالمبور

أبرزها النفوذ الصيني.. 4 تحديات تواجه ترامب في الجولة الآسيوية

وقد جاءت الصفقة في أعقاب تحذيرات من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن ما اعتبره مخاطر أمنية ناجمة عن النفوذ الصيني في واحد من أهم الممرات الملاحية في العالم.

مطلب صيني بالسيطرة يقلب موازين التفاوض

أثارت الصفقة منذ البداية غضب بكين، التي سعت في مرحلة أولى إلى إدخال شركة "كوسكو" المملوكة للدولة كشريك متساوٍ. 

إلا أن الصين رفعت لاحقًا سقف مطالبها، مطالبةً بحصول كوسكو على حصة الأغلبية وحق النقض في إدارة الموانئ، وفق مصادر مطلعة على المفاوضات. 

وذهبت بكين إلى أبعد من ذلك، ملوّحة بعرقلة الصفقة بالكامل في حال استبعاد كوسكو من هيكل الملكية.

ورغم إبداء بلاك روك وMSC استعدادًا لمنح كوسكو حصة متساوية، فإن مطلب السيطرة بالأغلبية اعتُبر غير مقبول، سواء من قبل الأطراف الغربية أم من البيت الأبيض. 

وقال مسؤول أمريكي إن الرئيس ترامب أوضح بشكل قاطع أن "سيطرة الصين على قناة بنما أمر غير مقبول، وينتهك معاهدة الولايات المتحدة وبنما، ويعرض الأمن القومي والاقتصادي للخطر".

أخبار ذات علاقة

هيغيست في زيارة سابقة إلى قناة بنما

لحمايتها من الصين.. تدريبات عسكرية أمريكية في قناة بنما

وبحسب مصادر قريبة من المفاوضات، فإن إصرار بكين على هذا الشرط أوصل الصفقة فعليًا إلى طريق مسدود، مع غياب أي تسوية وسطية تلوح في الأفق.

الموانئ كورقة تفاوض في الصراع التجاري الأمريكي–الصيني

لا تخفي الصين أن موقفها يتجاوز حدود الصفقة نفسها. فقد أشار مسؤول صيني رفيع المستوى إلى أن بكين تسعى لاستخدام ملف موانئ بنما كورقة تفاوض ضمن المحادثات الأوسع مع واشنطن بشأن التجارة والتعريفات الجمركية. 

ويعكس هذا التوجه نمطًا متكررًا في السياسة الصينية، حيث تستخدم آليات مراجعة الاندماجات والاستحواذات لأهداف تتجاوز الاعتبارات الاقتصادية البحتة.

تمتلك الصين بالفعل نفوذًا ملموسًا على أطراف الصفقة، إذ تحتفظ بلاك روك وهاتشيسون بمصالح تجارية داخل السوق الصينية، فيما تُعد MSC من أكبر شركات نقل الصادرات الصينية عالميًا. 

وسابقًا، لم تتردد بكين في عرقلة صفقات شحن دولية، كما حدث عام 2014 عندما منعت تحالفًا كان سيضم MSC وMaersk وCMA CGM.

أخبار ذات علاقة

سفينة تجارية تعبر قناة بنما

قناة بنما.. "لا مؤشرات" على مواجهة عسكرية بين أمريكا والصين

في الوقت الراهن، لا تزال شركة هاتشيسون تُدير موانئ بنما، فيما تؤكد إدارة الشركة أن إتمام صفقة بهذا الحجم والتعقيد قبل عام 2026 لم يكن متوقعًا أساسًا. 

وتزامن ذلك مع أداء مالي قوي، حيث ارتفعت إيرادات موانئ هاتشيسون 9% في النصف الأول من 2025، مدفوعة بزيادة أحجام الشحن، وحققت أسهم المجموعة مكاسب تجاوزت 30% هذا العام.

قناة بنما في قلب معركة النفوذ العالمي

تكتسب هذه الصفقة حساسية استثنائية؛ نظرًا لأهمية قناة بنما، التي يمر عبرها أكثر من 40% من حركة الحاويات الأمريكية المتجهة بين آسيا والأمريكيتين. 

ويجري سنويًا تفريغ وإعادة شحن ملايين الحاويات في ميناءي بالبوا وكريستوبال الخاضعين لإدارة هاتشيسون.

في موازاة ذلك، تمضي هيئة قناة بنما قدمًا في خطط منفصلة لتطوير موانئ جديدة على جانبي القناة، مع توقعات بإضافة نحو 500 مليون دولار إلى إيراداتها السنوية البالغة خمسة مليارات دولار. 

غير أن شركة كوسكو مُنعت من التقدم بعطاءات لهذه المشاريع؛ نظرًا لكونها كيانًا حكوميًا، ما يزيد من حساسية التوتر مع بكين.

أخبار ذات علاقة

سفينة تبحر عبر قناة بنما

"حرب الموانئ".. كيف أصبحت قناة بنما نقطة مواجهة بين أمريكا والصين؟

في المحصلة، تعكس أزمة صفقة الموانئ كيف تحولت البنية التحتية العالمية إلى ساحة صراع مفتوحة بين القوى الكبرى، حيث باتت الموانئ والممرات البحرية أدوات استراتيجية لا تقل أهمية عن الرسوم الجمركية أو التحالفات العسكرية. 

وبينما تتمسك واشنطن بخط أحمر واضح في بنما، تبدو بكين مصممة على عدم التفريط في نفوذ تعتبره جزءًا من أمنها الاقتصادي العالمي.

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC