أصبحت السيطرة على قناة بنما في قلب معركة جيوسياسية على نحو متزايد بين الولايات المتحدة والصين، حيث تمر نحو 40% من حركة الحاويات في الولايات المتحدة عبر هذا المسطح المائي الضيق، الذي يربط البحر الكاريبي بالمحيط الهادئ.
وقبيل عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أعلن عن نيته استعادة قناة بنما مما وصفه بـ"السيطرة الصينية"، ومنذ ذلك الحين، كثّف دعواته لاستعادة القناة.
وخلال زيارة إلى بنما الثلاثاء، قال وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، إن الولايات المتحدة "لن تسمح للصين الشيوعية، أو أي دولة أخرى، بتهديد عمل القناة أو سلامتها".
بدورها، هاجمت السفارة الصينية في بنما الحكومة الأمريكية في بيان عبر منصة "إكس"، قائلة إن الولايات المتحدة استخدمت "الابتزاز" لخدمة مصالحها الخاصة، وإن من تتعامل معه بنما تجاريا هو "قرار سيادي يخص بنما.. وليس من حق الولايات المتحدة التدخل فيه".
يطلق على بنما لقب "البوابة إلى أمريكا الجنوبية"، لدورها الجغرافي الرئيسي من حيث الاتصال والتجارة، فهي تُعدّ شرياناً حيوياً للتجارة العالمية، ونقطة محورية في الجغرافيا السياسية الدولية منذ زمن طويل.
ومنذ عام 1914، لعبت القناة دوراً محورياً في سلاسل التوريد العالمية، إذ وفرت على سفن الحاويات أسابيع من السفر حول أمريكا الجنوبية.
ولفتت الأهمية الاستراتيجية للقناة انتباه إدارة ترامب مجدداً، وسط مخاوف من ارتفاع الرسوم والنفوذ الصيني.
يُعدّ هذا الاهتمام المتزايد جزءًا من تركيز إدارة ترامب على فرض سيطرتها الجيوسياسية في المناطق الاستراتيجية للولايات المتحدة، وبالطبع قناة بنما التي تمثل قيمة اقتصادية وعسكرية يجب تأمينها لحماية المصالح الأمريكية.
فإذا وقعت السيطرة على القناة في أيدي خصم، وتحديدًا الصين، فقد يُلحق ذلك ضررًا اقتصاديًا بالولايات المتحدة من خلال تعطيل التجارة وإعاقة الجهود العسكرية بتقييد المرور عبر القناة.
وتعد رغبة ترامب في "استعادة" قناة بنما جزءًا من جهد عالمي للحد من نقاط الضعف الاقتصادية والعسكرية باستخدام أي وسيلة استباقية ضرورية.
وتعد الصين أكبر شريك تجاري لبنما، وهي حريصة على تعميق العلاقات هناك، في سعيها للحصول على موارد مثل الليثيوم وغيرها من المنتجات الزراعية مثل فول الصويا والذرة.
كما أن بكين أيضًا هي ثاني أكبر عميل لقناة بنما بعد واشنطن، حيث ينتمي نحو خمس البضائع التي تمر عبر الممر المائي إلى الصين.
وبينما تحتفظ بنما بالسيطرة الكاملة على القناة، رسّخت الشركات الصينية حضورًا قويًا في البنية التحتية للموانئ المجاورة.
وتُشغّل شركة موانئ "هاتشيسون"، التابعة لشركة "سي كيه هاتشيسون" القابضة ومقرها هونغ كونغ، محطتين حيويتين على الجانب المطل على المحيط الهادئ وعلى الجانب الأطلسي من القناة.
ويتولى هذان الميناءان، الواقعان على طرفي الممر المائي، التعامل مع معظم البضائع الداخلة إلى القناة والخارجة منها.
ويكتسب مشغلو الموانئ على طرفيها أهمية استراتيجية لتحكمهم في تدفق البضائع وحركة السفن.
وتأتي مشاركة الصين في إدارة موانئ بنما ضمن إطار مبادرة "الحزام والطريق" التي تهدف لتعزيز الربط التجاري العالمي عبر استثمارات ضخمة في البنية التحتية، وتهدف أيضًا لتوسيع نفوذ الصين الاقتصادي والدبلوماسي.
ومنذ انضمام بنما إلى المبادرة عام 2017، تلقت تمويلًا صينيًا لمشاريع عدة، ما أثار مخاوف أمريكية من تزايد النفوذ الصيني قرب القناة.
وتشير التحليلات إلى أن الصين قد تستغل الموانئ لمراقبة البحرية الأمريكية، أو للتأثير على التجارة، أو حتى لنشر أصول عسكرية سرية.
في المستقبل، تواجه بنما مهمة دقيقة تتمثل في الموازنة بين الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع الصين ومعالجة المخاوف الأمنية والاقتصادية الأمريكية.
وأعلنت بنما أخيرا أنها لن تجدد اتفاقية مبادرة الحزام والطريق مع الصين، في خطوة تُعتبر محاولة للتقارب مع مصالح واشنطن.
وبحسب وكالة "بلومبرغ"، فإن رئيس بنما يفكر في إلغاء العقود التي تملكها شركة "هاتشيسون" لتشغيل الموانئ، كما وعدت بنما بالسماح بحرية مرور السفن الحربية الأمريكية بعد زيارة لوزير الخارجية ماركو روبيو في الثاني من فبراير/شباط الماضي، في محاولة لطمأنة الولايات المتحدة.
وسيعتمد مستقبل القناة على كيفية تعامل بنما مع الضغوط المتعارضة من الصين والولايات المتحدة.
وقال ويل فريمان، الباحث والمتخصص في شؤون أمريكا اللاتينية: "يبدو أن ترامب يستخدم بنما كمثال بهدف دفع قادة دول المنطقة لإعادة التفكير قبل تعميق علاقاتهم مع بكين".