حدّد خبراء في العلاقات الدولية 4 تحديات ستواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال جولته الآسيوية، التي من المنتظر أن تجمعه مع نظيره الصيني شي جين بينغ، في ظل رهان الولايات المتحدة على إعادة ترسيخ نفوذها في المدى الآسيوي اقتصاديًّا وأمنيًّا، في مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد.
وتكمن التحديات، بحسب خبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز"، في ما بات عليه النفوذ الصيني من تأثير قوي في آسيا، وحالة الشك لدى حلفاء واشنطن وشركائها الآسيويين بشأن العلاقة بينهم ومدى العمل على مصالح حقيقة متبادلة من جانب إدارة ترامب، وذلك إلى جانب تناقض السياسات الأمريكية بين السير على خط الانفتاح الاقتصادي من جهة وتصدير شعار "أمريكا أولاً" من جهة أخرى، فضلاً عن التحدي المتعلق بتفضيل واشنطن في الوقت الراهن إبرام الاتفاقيات الثنائية والسريعة؛ ما يقلل جاذبيتها أمام الدول الآسيوية التي تميل إلى الشراكات المستقرة طويلة الأمد.
وتعتبر جولة ترامب الآسيوية مهمة من الناحية الرمزية، وتحمل رسالة أن الولايات المتحدة لا تنوي ترك هذه الساحة؛ ما يعكس التزاماتها تجاه شركائها وعدم ترك المجال مفتوحًا أمام الصين في ملفات إقليمية حساسة. لكن من المستبعد أن تحقق الجولة، بحسب الخبراء، اختراقًا كبيرًا يغير موازين القوى في آسيا نظرًا لامتلاك بكين نفوذًا وشبكة مصالح واسعين، ولا سيما أن استمرار واشنطن في نهجها المتقلب سيدفع دول آسيا إلى الحياد الإيجابي، وهو ما يميل بالميزان لصالح الصين.
وبشكل كبير، تحتاج عملية إحداث تحول حقيقي في البنية الاقتصادية بين الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين، ولا سيما فيما يتعلق بإعادة توجيه سلاسل التوريد أو قيادة الاستثمارات في مجال التكنولوجيا والطاقة، إلى إستراتيجيات طويلة الأمد، وليس مجرد زيارة دبلوماسية، وهو ما يوضح أن جولة ترامب بملامحها حتى الآن لن تعيد الهيمنة الأمريكية الكاملة في مواجهة النفوذ المتعاظم للصين.
وتبقى التساؤلات في هذه المرحلة حول مدى نجاح واشنطن في توقيع اتفاقيات استثمارية كبيرة مع الدول الآسيوية، وقدرة الأخيرة على إظهار استعداد أكبر للانخراط مع الولايات المتحدة، أم مواصلة نهج الحياد المتوازن، وأيضًا مدى تعامل ترامب مع شي جين بينغ في هذه الجولة وتحول التصعيد إلى حوار.
ويقول المختص في الشأن الصيني، الدكتور محمد بايرام، إن ترامب استعد بشكل مسبق لهذه الجولة، التي تشمل اليابان وماليزيا وكوريا الجنوبية حيث قمة "أبيك". وهي الزيارة الأولى له في ولايته الثانية، وتحمل سعيه لإعادة تأكيد نفوذ بلاده ودورها في المنطقة الآسيوية، في ظل تنافس محتدم مع الصين على المستويات الاقتصادية والأمنية.
وأوضح بايرام لـ"إرم نيوز" أن ترامب يسعى لتحقيق أهداف أبرزها عقد صفقات تجارية واستثمارية كبيرة مع الشركاء الآسيويين الرئيسيين في سول وطوكيو لجذب استثمارات ضخمة لبلاده، كما سيركز على بناء سلاسل توريد جديدة تقلل الاعتماد على الصين، ولا سيما في القطاعات التكنولوجية والموارد الإستراتيجية، والعمل على طمأنة الشركاء بأن انشغال واشنطن بالشأن الداخلي لا يعني الانسحاب من المشهد الآسيوي.
وبحسب بايرام، تهدف الجولة على الصعيد الأمني إلى إعادة تأكيد الولايات المتحدة على تحالفاتها في آسيا، ولا سيما مع اليابان وكوريا الجنوبية، بما يشمل البعد الدفاعي، وسط عمل على مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد في المحيطين الهندي والهادئ، كما تريد التأكيد على التمسك بسياسة الاستدارة نحو آسيا من خلال حضورها الفاعل في القمم الآسيوية والعمل على ترسيخ النفوذ أمام بكين.
وأفاد بايرام بأن التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في هذا المحيط الدولي كثيرة ومعقدة، في صدارتها أن النفوذ الصيني يبقى تأثيره قويًّا في آسيا مع تركيز بكين على توثيق وجودها في جنوب شرق آسيا؛ ما جعل البلدان هناك أمام قرار صعب في تحديد موقفها بين الولايات المتحدة والصين، في ظل تقديم الأخيرة نفسها كشريك أكثر استقرارًا مع ما يراه البعض من تقلبات في السياسة الأمريكية في التجارة والاستثمار؛ ما يعتبر تحديًا كبيرًا لواشنطن وحلفائها الآسيويين.
أما التحدي الثاني، كما يقول بايرام، فيتمثل في حالة الشك لدى الحلفاء والشركاء الآسيويين بأن السياسة الأمريكية تتحرك وفق مصالح واشنطن أكثر من التزاماتها الخارجية؛ ما يبعد الثقة على المدى الطويل، ويميل دول آسيوية صغيرة ومتوسطة إلى الحفاظ على مساحة مناورة بين الصين والولايات المتحدة بدلًا من الميل لأحدهما، وهو ما يعتبر أمرًا إيجابيًّا لبكين أكثر من واشنطن.
ويرى بايرام أن التحدي الثالث يكمن في التناقض بين السياسات الأمريكية نفسها، حيث ترغب في الانفتاح الاقتصادي من جهة وتصدر شعار "أمريكا أولًا" من جهة أخرى؛ ما يؤدي إلى رفع التعريفات الجمركية وتقليص الالتزامات في الاتفاقيات متعددة الأطراف، وهو ما يربك الشركاء الآسيويين. كما أن تحقيق صفقة تجارية كبيرة في ظل التوترات مع الصين سيظل أمرًا في غاية الصعوبة.
استعادة الهيبة في آسيا والمحيط الهادئ
وأشار المختص بالشأن الصيني إلى أن التحدي الرابع مرتبط بالبنية الاقتصادية الإقليمية والاتفاقيات متعددة الأطراف، حيث كانت الولايات المتحدة في الماضي جزءًا من منظومة اقتصادية أوسع، منها اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ "تي بي بي"، أما الآن فتميل واشنطن إلى الاتفاقيات الثنائية والسريعة؛ ما يقلل جاذبيتها أمام الدول الآسيوية التي تميل إلى الشراكات المستقرة طويلة الأمد.
بدوره، يؤكد الخبير في الشؤون الآسيوية، الدكتور وائل عواد، أن هذه الزيارة تعد مهمة للغاية بالنسبة للرئيس الأمريكي، خاصة أنها تأتي بعد فوزه في الدورة الانتخابية الثانية، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى فرض هيمنتها واستعادة هيبتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بعد توسع النفوذ الصيني هناك.
وبين عواد لـ"إرم نيوز" أن واشنطن تبحث حاليًّا عن حلفاء جدد لتشكيل محاور قادرة على مواجهة الصين مستقبلًا، كما تحاول تخفيف حدة الأزمات في المنطقة، وخاصة مع كوريا الشمالية، إذ يرغب الرئيس الأمريكي في لقاء الزعيم الكوري الشمالي، إلا أن التطورات الأخيرة والتغيرات الجيوسياسية المتسارعة تفرض على الكثير ضرورة الابتعاد عن الصراع الأمريكي الصيني، خصوصًا أن الولايات المتحدة لم تعد تمتلك "الجزرة"، بل باتت تعتمد فقط على "العصا"، وهو ما يجعل هذه الدول لا ترغب في أن تكون طرفًا في أي مواجهة مقبلة في المنطقة.
وذكر عواد أن الولايات المتحدة فرضت في الآونة الأخيرة تعريفات جمركية حتى على حلفائها؛ ما أثار استياءهم، خاصة في دول منطقة آسيا التي تربطها علاقات وثيقة أيضًا مع الصين، وتشكل الأخيرة المحور الرئيسي للتعاون التجاري بينها، خصوصًا رابطة جنوب شرق آسيا "الآسيان"، مشيرًا إلى أن الصين تقدم معونات وهبات لتنفيذ مشاريع اقتصادية ضخمة في هذه المنطقة، في حين أن واشنطن عندما تحاول فرض شروطها عليهم للابتعاد عن بكين، لا تملك البديل ولا تقدم المقابل المالي الكافي.
وأكد عواد أن سياسة "أمريكا أولًا" لم تخدم دونالد ترامب كثيرًا، معتقدًا أن هذه الجولة ستكون استعراضية أكثر منها عملية، ولن تثمر عن اتفاقات حقيقية مع أي طرف هناك في مواجهة الصين، لأن معظم دول المنطقة تميل إلى الحياد وتتجاهل الطروحات الأمريكية بشأن هذا الملف تحديدًا.