logo
العالم

"الانقلاب الناعم" يجتاح أفريقيا.. تعديلات دستورية تُمدد حكم القادة العسكريين

استعراض عسكري في ماليالمصدر: رويترز

لم تحقق الديمقراطية في العديد من الدول الأفريقية النتائج المرجوة، إذ عمد قادة عسكريون إلى التلاعب بالدساتير لتمديد فترات حكمهم، في ظل غياب آليات شرعية فعّالة لمحاسبتهم أو عزلهم، ما جعل إساءة استخدام السلطة ظاهرة متكررة أفقدت الجيوش عمقها الشعبي.

وفي أغلب الحالات، لا يملك المواطنون سوى انتظار الاستحقاقات الانتخابية للمطالبة بالمحاسبة عبر صناديق الاقتراع، غير أن هذه الانتخابات غالبًا ما تعاني قصورًا بنيويًا، إذ نادرًا ما تعكس الإرادة الشعبية الحقيقية، كونها تُصمَّم في كثير من الأحيان للحفاظ على هياكل السلطة القائمة.

أخبار ذات علاقة

قوات فرنسية في أفريقيا

من الساحل إلى المحيط الهندي.. روسيا تضيّق الخناق على فرنسا في أفريقيا

انقلابات متتالية

وخلال السنوات الأخيرة، شهدت دول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وغينيا موجة من الانقلابات العسكرية، في حين لجأ قادة في الكاميرون وإريتريا وأوغندا إلى تعديل الدساتير لتمديد ولاياتهم، ما أعاد الأنظمة العسكرية بقوة إلى المشهد السياسي الأفريقي.

ولم يقتصر صراع الجنرالات على مواجهة خصومهم، بل امتد ليشمل صراعات داخلية فيما بينهم، الأمر الذي أدى إلى انقلابين متتاليين في بوركينا فاسو وانقلاب آخر في مالي. كما أسهمت هذه التحولات في زعزعة التوازن الجيوسياسي في غرب أفريقيا، ودفع فرنسا والولايات المتحدة إلى تقليص وجودهما، مقابل تقارب متزايد مع روسيا والصين.

النزعة العسكرية

ويفسّر الباحث المالي المتخصص في الشؤون الأفريقية، أومو مكجي، تراجع الامتداد الشعبي للجيوش بعودة النزعة العسكرية، وهي أحد أبرز التقاليد السياسية في أفريقيا ما بعد الاستقلال، وتعني حكم البلاد من قبل العسكريين باعتباره شكلًا من أشكال السلطة تتداخل فيه الأهداف العسكرية مع العمل السياسي.

وأوضح مكجي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن جانبًا من جاذبية النزعة العسكرية يكمن في استقلاليتها غير التقليدية، إذ تكتسب المجالس العسكرية تأييدًا شعبيًا عبر قطع العلاقات مع أطراف أجنبية يُنظر إليها باعتبارها غير مرغوب فيها، كما حدث في النيجر وبوركينا فاسو مع فرنسا عام 2023. وأضاف أن الجنرالات يديرون الدول بعقلية الحرب، معتبرين السياسة ساحة صراع هدفها تحقيق النصر، حتى لو جاء ذلك على حساب خسائر جانبية.

إساءة استخدام السلطة

في المقابل، تعكس نتائج مؤشر "أفروباروميتر" اتجاهًا مقلقًا يتمثل في تفاقم سوء الحوكمة وارتفاع مستوى التسامح مع التدخلات العسكرية، إذ أظهرت البيانات أن أكثر من 53% من المستطلَعين، ولا سيما من فئة الشباب، قد يتقبلون الانقلابات العسكرية في حال إساءة استخدام السلطة.

كما تراجعت معارضة الحكم العسكري بمقدار 11 نقطة مئوية في 30 دولة، وكانت مالي والنيجر والغابون وبوركينا فاسو من بين الدول الأكثر تأييدًا للتدخل العسكري.

ورغم ذلك، تشير تطورات حديثة إلى امتلاك المواطنين القدرة على محاسبة الحكومات وإخضاع المجالس العسكرية لإرادتهم، شريطة توافر مجموعة من الشروط التي ينبغي على الرؤساء وصنّاع القرار الالتفات إليها في ظل تصاعد الغضب الشعبي من تآكل الديمقراطية.

وفي هذا السياق، يؤكد معهد السياسات الأمنية في جنوب أفريقيا أن المواطنين وحدهم هم حماة الديمقراطية وضامن محاسبة القادة، مشددًا على أنه متى أدرك الشعب قوته في طرح مطالب مشروعة، سيتراجع دور الجيوش في التدخل بشؤون الحكومات الفاشلة.

أخبار ذات علاقة

قوات الجيش بعد محاولة انقلاب في بنين

تضليل وأخبار زائفة تشعل مواجهة "ضارية" بين بنين وتحالف الساحل الأفريقي

ممارسة ضغط شعبي

كما يدعو المعهد إلى عدم الاكتفاء بانتظار الانتخابات أو تغيير الأنظمة، بل إلى ممارسة ضغط شعبي منظم للمطالبة بأداء حكومي فعّال. ويرى أن أفريقيا بحاجة إلى مواطنين متماسكين ومتحدين، قادرين على الدفاع عن الديمقراطية بعيدًا عن التحزّب أو الانقسامات العرقية.

ويخلص المعهد إلى توصية موجهة للقادة الأفارقة مفادها أن السيادة الحقيقية تعود للشعوب، وأن زمن الاستهانة بإرادة الناخبين قد انتهى، لا سيما في ظل تنامي دور الشباب الغاضب والمنخرط في الشأن العام، ما جعل الاحتجاجات وسيلة أكثر فاعلية للمطالبة بالمساءلة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC