logo
العالم

من الساحل إلى المحيط الهندي.. روسيا تضيّق الخناق على فرنسا في أفريقيا

قوات فرنسية في أفريقياالمصدر: (أ ف ب)

في صمت، بات جنوب المحيط الهندي ساحة جديدة للمواجهة بين روسيا والغرب، ولا سيما فرنسا، التي تمتلك في المنطقة إقليمين من أقاليمها ما وراء البحار، هما لا ريونيون ومايوت.

ورغم أن موسكو لا تزال بعيدة عن بلوغ مستوى النفوذ الذي تتمتع به لدى المجالس العسكرية في منطقة الساحل، حيث يقترن دعمها الأمني بحصص في قطاع التعدين، فإن دبلوماسيتها تعمل على استغلال أدنى الثغرات المتاحة.

مدغشقر.. اختبار النفوذ الروسي

وفي مدغشقر، يشكّل انفتاح السلطات الجديدة على العروض الروسية اختباراً حقيقياً. ففي منتصف أكتوبر، وبعد أسابيع من الاحتجاجات التي قادها جيل "Z" احتجاجاً على الانقطاعات المتواصلة في المياه والكهرباء، أطاح العسكريون بالرئيس أندري راجويلينا واستولوا على السلطة.

ويُطرح حالياً خيار استيراد الهيدروكربونات الروسية للتخفيف من أزمة الطاقة. ويقول دبلوماسي غربي، لصحيفة "لوموند"، إن "الأهداف الروسية ليست جديدة، وليست موسكو الطرف الوحيد الذي يطمع في البلاد، لكن عتبة جديدة تم تجاوزها مع هذا التقارب".

وفي عام 2018، حاولت روسيا بالفعل التأثير في العملية الانتخابية عبر تمويل حملات عدد من المرشحين، وعمل إلى جانبهم عناصر من مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية كمستشارين.

وفي أغسطس من العام نفسه، وخلال عهد الرئيس هيري راجاوناريمامبيانينا (2014–2018)، أُبرم اتفاق تعديني بين شركة "كراوما"، وهي الشركة العامة لاستغلال الكروم، والشركة الروسية "فيروم ماينينغ"، المملوكة بشكل غير مباشر ليفغيني بريغوجين، الزعيم السابق لمجموعة فاغنر الذي توفي عام 2023. غير أن المشروع فشل، وانسحب الروس في نهاية عام 2019.

"نفوذ مزعزع للاستقرار"

يعود تاريخ إعادة تنشيط التعاون العسكري بين موسكو ومدغشقر إلى عام 2018 أيضاً، وهو تعاون انطلق أساساً خلال الحرب الباردة في الحقبة الاشتراكية للرئيس ديدييه راتسيراكا (1975–1993)، قبل أن يتم تأكيده مجدداً عام 2022 في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا.

وعقب زيارة إلى مدغشقر مطلع نوفمبر، سعى رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية، برونو فوكس، إلى تهدئة المخاوف، قائلاً: "يجب ألا نركّز على الروس. ليست لديهم الوسائل للاستجابة للحالات الطارئة التي تواجهها البلاد، مثل الوصول إلى المياه والكهرباء، أو الاحتياجات الصحية والتعليمية".

وأضاف: "لكنهم، في المقابل، لا يزالون قادرين على ممارسة نفوذ مزعزع للاستقرار والإساءة إلى صورتنا؛ لذلك ينبغي على المؤسسات الدولية والشركاء الثنائيين مرافقة هذا الانتقال الذي يقوده العسكريون، وإلا فهناك خطر حقيقي من أن يتجهوا نحو دعم أقل انتقائية".

ولا يبدو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، شأنه شأن الجهات المانحة الغربية التي أكدت استمرار التزاماتها، غير مبالٍ بهذا الخطر، ففي أواخر نوفمبر، اقترح تقديم دعم إضافي من فرنسا، ولا سيما على شكل دعم للميزانية، لمواجهة انعدام الأمن الغذائي في جنوب البلاد، حيث ينحدر ميشيل راندريانيرينا، رئيس المرحلة الانتقالية.

وفي عام 2023، تلقت مدغشقر مساعدات إنمائية رسمية بقيمة 1.2 مليار دولار (مليار يورو)، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. أما آخر إعلان عن تمويل روسي فيعود إلى عام 2015، من خلال عملية تحويل ديون إلى مشاريع تنموية بقيمة 88 مليون دولار، وهي مشاريع لم تكتمل حتى اليوم.

جزر القمر.. بوابة استراتيجية

على بعد 500 كيلومتر من السواحل المدغشقرية، تحظى جزر القمر أيضاً باهتمام متزايد، فالأرخبيل، الواقع عند مدخل قناة موزمبيق التي تمر عبرها حصة كبيرة من التجارة البحرية العالمية، ضاعف في الآونة الأخيرة اتفاقياته مع الولايات المتحدة والصين.

وتسعى موسكو إلى تثبيت موطئ قدم لها هناك، إذ من المقرر افتتاح سفارة روسية في عام 2026، بعد افتتاح بيت ثقافي عام 2024، كما أصبحت جزر القمر، بأكثر من مائة سفينة مسجّلة، أول "علم مريح" يستخدمه الأسطول الروسي الشبح للتحايل على العقوبات الأوروبية.

وفي يناير المقبل، سيحتفل البلدان بالذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، في مناسبة تُستخدم للتأكيد على دعم موسكو الثابت لمطالب جزر القمر بشأن جزيرة مايوت، التي انفصلت عن الأرخبيل عند الاستقلال وبقيت تحت السيادة الفرنسية.

خطاب السيادة والحرب المعلوماتية

يتردد الخطاب السيادي نفسه في موريشيوس، التي استعادت من المملكة المتحدة، في مايو الماضي، جزر تشاغوس. ورغم أن البلاد، التي تُعد ثاني أعلى دولة أفريقية من حيث دخل الفرد، تمتلك احتياجات أقل مقارنة بجيرانها المصنفين بين الأفقر في القارة، فإن موسكو اقترحت تزويدها بمحطة طاقة نووية عائمة لضمان استقلالها في مجال الطاقة.

وبالتوازي مع هذا الحراك الدبلوماسي، تجد روسيا، من خلال تقديم نفسها كمدافع عن "الجنوب العالمي"، صدى لدى جزء من الرأي العام. ويقول جيروم فيلايودوم، الخبير في الجغرافيا السياسية في معهد إدارة الأعمال في بواتييه: "كما هو الحال في منطقة الساحل، تسعى روسيا إلى إضعاف فرنسا".

ويضيف أن موسكو "تسهم عبر تدخلاتها في المجال المعلوماتي، باستخدام التأثير المضخم للروبوتات الرقمية، في تشكيل الوعي العام. وهي تجد فرصاً أكبر في فضاء لم تُحل فيه صدمات الماضي بعد، حيث يتبلور شكل من أشكال الرفض تجاه فرنسا".

أخبار ذات علاقة

روجر لومبالا زعيم حركة متمردي إم 23 الكونغولية

اغتصاب واستعباد.. فرنسا تعاقب زعيم متمردي الكونغو بالسجن 30 عاماً

ووفقاً لمعلوماته، تدخلت موسكو في مدغشقر لتغذية الخطاب المعادي لفرنسا خلال الأسابيع القليلة التي سبقت إجلاء الرئيس راجويلينا إلى لا ريونيون.

ويطرح ذلك تساؤلاً حول ما إذا كان هذا التمدد يشكّل تهديداً حقيقياً أم مجرد إثارة بلا مستقبل، في وقت بات فيه من الصعب تجاهل تحركات الكرملين في هذا الجزء من المحيط الهندي الذي ظل طويلاً خارج دائرة الاهتمام.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC