تواجه فرنسا أزمة مالية حادة مع اقتراب نهاية العام، إذ يتسابق المشرعون الفرنسيون لإقرار ميزانية 2026 قبل الموعد النهائي في 31 ديسمبر الحالي.
ويمثل اليوم الجمعة، ما قد يكون الفرصة الأخيرة للتوصل إلى توافق بشأن الميزانية، في ظل خلافات جذرية بين الأحزاب السياسية وغرفتي البرلمان.
والعجز المالي المتوقع عند 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي يتجاوز الحدود المستهدفة، ما دفع رئيس الوزراء سيباستيان ليكورنو للتحذير من "خطر يثقل كاهل الاقتصاد الفرنسي".
ويدفع الفشل في إقرار الميزانية، البرلمان لتمرير تدابير مؤقتة تمدد ميزانية 2025 إلى العام الجديد، في سيناريو محرج تكرر للمرة الثانية على التوالي، ويعكس عمق الأزمة السياسية التي أطاحت بثلاث حكومات منذ فقدان الرئيس إيمانويل ماكرون أغلبيته البرلمانية.
ويبدأ المشرعون الفرنسيون الجمعة ما يبدو أنه فرصتهم الأخيرة للموافقة على الخطط المالية لعام 2026 قبل نهاية العام.
ومن المقرر أن يجلس 14 مشرعًا من الجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس الشيوخ في لجنة مشتركة للتوصل إلى اتفاق بشأن ميزانية الدولة، على الرغم من أن تشكيل توافق سيثبت صعوبته نظرًا للخلافات الجذرية بين الأحزاب السياسية والغرفتين التشريعيتين الفرنسيتين حول أولويات الميزانية.
ومن المتوقع أن تحمل النسخة الحالية من كل من ميزانية الدولة ونظيرتها الخاصة بالضمان الاجتماعي عجزًا في الميزانية بنسبة 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى بكثير من عتبة 5% التي حددها ليكورنو في أكتوبر/ تشرين الأول ومستوى 4.7% الذي وعدت باريس بروكسل أنها ستستهدفه.
وبينما توصل المشرعون إلى حل وسط بشأن ميزانية الضمان الاجتماعي للعام المقبل، أثبتت ميزانية الدولة - وهي جزء منفصل من التشريع - أنها أكثر صعوبة.
وخلال التصويت الأول على مشروع قانون ميزانية الدولة، صوت نائب واحد فقط من بين 577 نائبًا في الجمعية الوطنية لصالح التشريع بصيغته المعدلة من قبل المشرعين.
وأقر مجلس الشيوخ الأكثر محافظة نسخته الخاصة من القانون في وقت سابق من هذا الأسبوع، ما مهد الطريق لاجتماع الجمعة ومناقشات قد تستمر حتى السبت.
وصوت مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه المحافظون بأغلبية 187 صوتًا مقابل 109 لصالح مشروع القانون بعد إعادة صياغته، في خطوة قالت الحكومة إنها ستزيد من العجز المالي أكثر مما كان مخططًا له.
وفي حال فشل تلك المحادثات، من المحتمل أن يضطر المشرعون إلى تمرير تدبير مؤقت يمدد ميزانية 2025 إلى العام المقبل والعودة إلى العمل على وضع اللمسات الأخيرة على ميزانية 2026 في العام الجديد.
وحذر رئيس الوزراء ليكورنو، في نوفمبر من أن الفشل في إنجاز الميزانية بحلول الأول من يناير/كانون الثاني "خطر يثقل كاهل الاقتصاد الفرنسي". فشلت الحكومة الفرنسية العام الماضي أيضًا في وضع اللمسات الأخيرة على خططها المالية قبل بداية عام 2025.
و"يجب أن يكون لدينا ميزانية قبل نهاية العام"، قال ليكورنو الأربعاء أثناء الرد على الأسئلة في مجلس الشيوخ.
وأعرب ليكورنو وحكومته عن ثقتهم في أنه لا يزال من الممكن إيجاد حل وسط ويتعهدون ببذل كل ما يلزم لتحقيق هذا الهدف، بما في ذلك تسهيل المحادثات غير الرسمية.
وخلال اجتماع مجلس الوزراء الأربعاء، طلب ليكورنو من وزرائه "بذل قصارى جهدهم" للتأكد من إقرار الميزانية، وفقًا للمتحدثة باسم الحكومة.
وتم تبني مشروع قانون تمويل الضمان الاجتماعي ليلة الثلاثاء من قبل مجلس النواب الفرنسي، في فوز كبير لرئيس الوزراء، الذي كان يسير على حبل مشدود بينما يحاول كبح جماح عجز متضخم في مواجهة استياء اجتماعي متزايد.
وصوت ما مجموعه 247 نائبًا لصالح النص و234 ضده، بينما امتنع 93 عن التصويت.
وتم إنقاذ ليكورنو بتقديم تنازلات في اللحظة الأخيرة لتأمين تصويت الحزب الاشتراكي الوسطي اليساري، ما أدى إلى نفور حزب الجمهوريين المحافظ وتحالفه الوسطي الخاص.
وقد يلعب الحزب الاشتراكي، الذي كان له دور أساسي في تمرير ميزانية الضمان الاجتماعي، دور صانع الملوك مرة أخرى.
وبعد التحذير من أنهم قد يصوتون ضد النص الحالي، يقال الآن إنهم يفكرون في الامتناع عن التصويت مقابل 10 مليارات يورو من الإنفاق الإضافي، والتي سيتم تمويلها من خلال زيادات ضريبية.
ولكن المشرعين من مختلف التوجهات السياسية المشاركين مباشرة في محادثات الميزانية ليسوا متفائلين كثيرًا بشأن فرص النجاح. توقع النائب اليساري المتطرف إريك كوكريل، رئيس لجنة المالية بالجمعية الوطنية، فشل المحادثات، وكذلك فعل الوسطي شارل دو كورسون.
ولدى حكومة ليكورنو، مساحة ضئيلة للمناورة في البرلمان الفرنسي المتصدع، حيث أطاحت معارك الميزانية بالفعل بثلاث حكومات منذ أن فقد الرئيس ماكرون أغلبيته في انتخابات مفاجئة عام 2024.
وحذر وزير المالية رولان ليسكور بعد تصويت مجلس الشيوخ قائلًا: "عجز بنسبة 5.3٪ لن ينجح، سيتعين عليكم تقديم تنازلات. أنا مقتنع بأنه يمكننا القيام بذلك، لكن على الجميع بذل جهد".
وإذا فشل المشرعون في الاتفاق على نسخة جديدة، فمن المرجح أن تقدم الحكومة تشريعات طوارئ مؤقتة لضمان قدرتها على مواصلة الإنفاق وجمع الضرائب والاقتراض على أساس مؤقت في العام الجديد حتى يمكن إقرار ميزانية مناسبة.
ويحدد التصويت النهائي المقرر في 23 ديسمبر/ كانون الأول في الجمعية الوطنية، ما إذا كانت فرنسا ستبدأ عام 2026 بميزانية واضحة أم تعيش حالة من عدم اليقين المالي الذي قد يهز ثقة الأسواق في ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.