في تحول مفاجئ، كشفت مسودة استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية الأحدث عن إعادة توجيه غير مسبوق لأولويات البنتاغون، حيث أصبح حماية الوطن الأم والنصف الغربي من الكرة الأرضية في صدارة الاهتمامات، على حساب مواجهة التهديدات الخارجية، وعلى رأسها الصين.
والمسوّدة التي كشفت عنها صحيفة "بوليتيكو"، وهي صادرة عن مكتب وزير الدفاع، بيت هيغسيث، تمثّل انحرافاً كبيراً عن سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب الأولى، التي ركزت على ردع بكين كأولوية عليا، كما أنها قد تعيد تشكيل العلاقات مع الحلفاء.
ونقلت الصحيفة عن ثلاثة مصادر مطلعة على الوثيقة، أن الاستراتيجية الجديدة تعكس تحولاً جذرياً عن نهج الإدارات السابقة، سواء الديمقراطية أو الجمهورية، التي اعتبرت الصين المنافس الرئيس للولايات المتحدة.
وخلال ولاية ترامب الأولى عام 2018، أكدت استراتيجية الدفاع الوطني، أن الصين وروسيا تسعيان لتشكيل عالم يتماشى مع نماذجهما الاستبدادية، مما جعل ردع بكين محوراً أساسياً لسياسات البنتاغون.
لكن المسودة الحالية تعيد ترتيب الأولويات، مركزة على الأمن الداخلي والإقليمي على حساب مواجهة الخصوم التقليديين مثل الصين وروسيا، وهو تحول سيثير جدلاً واسعاً، خاصة بين المتشددين المناهضين لبكين في الحزبين الديمقراطي والجمهوري، الذين يرون أنها لا تزال تشكل خطراً متزايداً على الأمن القومي الأمريكي.
وقال أحد المطلعين على الوثيقة: "هذا التوجه سيضع الولايات المتحدة وحلفاءها أمام تساؤلات حول موثوقية الالتزامات الأمريكية التقليدية".
وتشير "بوليتيكو" إلى أن ملامح هذا التحول بدأت تظهر عملياً، حيث فعّل البنتاغون آلافاً من قوات الحرس الوطني لدعم إنفاذ القانون في مدن مثل لوس أنجلوس وواشنطن، ونشر سفناً حربية وطائرات مقاتلة من طراز إف-35 في منطقة البحر الكاريبي لمنع تهريب المخدرات.
كما أثارت خطوات عسكرية حديثة الجدل، مثل الضربة التي أسفرت عن مقتل 11 شخصاً يشتبه بانتمائهم لعصابة فنزويلية في المياه الدولية، وإنشاء منطقة عسكرية على الحدود الجنوبية مع المكسيك تتيح للجيش احتجاز مدنيين، وهي مهام كانت تُعهد تقليدياً لجهات إنفاذ القانون.
ووفق "بوليتيكو" فإن هذه الإجراءات تُظهر توجهاً جديداً يركز على الأمن الداخلي على حساب التحديات الخارجية.
كما رأت أن الاستراتيجية الجديدة، التي يقودها إلبريدج كولبي، كبير مسؤولي السياسات في البنتاغون، تعكس رؤية أكثر انعزالية، تتماشى مع آراء نائب الرئيس جيه دي فانس.
وكولبي، الذي كان له دور بارز في صياغة استراتيجية 2018، يبدو الآن أكثر ميلاً لتعزيز الدفاعات الداخلية، إذ تشير المصادر إلى أن هذه الاستراتيجية ستترافق مع مراجعتين رئيستين، مراجعة الوضع العالمي لتحديد مواقع تمركز القوات الأمريكية، ومراجعة الدفاع الجوي والصاروخي لتقييم الدفاعات الأمريكية والحليفة.
وسيُثير هذا التوجه توجساً أكبر لدى الحلفاء، خاصة في أوروبا، حيث يتوقع سحب بعض القوات الأمريكية البالغ عددها 80 ألف جندي من القارة، إلى جانب تقليص برامج المساعدات الأمنية مثل مبادرة الأمن في البلطيق، التي تدعم دولًا مثل لاتفيا وليتوانيا وإستونيا.
وأكد دبلوماسي أوروبي، أن هذه المبادرة، التي كانت تُمول شراء أسلحة أمريكية مثل نظام HIMARS، ستفقد تمويلها هذا العام، مما يثير مخاوف بشأن قدرة الحلفاء على تعزيز دفاعاتهم.