عاد الملف النووي الإيراني إلى صدارة النقاش الإسرائيلي، مع اقتراب اللقاء المرتقب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في واشنطن نهاية الشهر الحالي.
ويرتبط الحضور للملف بحالة عدم اليقين التي ما زالت تحيط بوضع البرنامج النووي الإيراني، وبغياب صورة تقنية تسمح بإقفال هذا الملف سياسيًا أو أمنيًا.
وفي هذا السياق، بات النقاش الإسرائيلي–الأمريكي يتقدّم نحو مستوى أكثر عملية، إذ يجري التعامل مع الغموض القائم بوصفه عنصرًا مؤثرًا في القرار.
وينصبّ التركيز على ما يمكن فعله في ظل نقص المعطيات، وعلى حدود الخيارات المتاحة للتعامل مع برنامج نووي يعمل خارج أطر التقدير التقليدي.
يقول دبلوماسي أمريكي، مشارك في مشاورات قائمة حول الملف الإيراني، إن البرنامج النووي الإيراني ما زال يُدار بطريقة لا تسمح ببناء صورة تقنية مكتملة بعد "حرب الـ12 يومًا".
وبحسب حديث خاص لـ"إرم نيوز"، فإن المعلومات المتوافرة لدى الأطراف المعنية لا تكفي لإغلاق الملف سياسيًا، ولا لتثبيت مسار أمني واضح، وهو ما أعاد إدراج الخيار العسكري ضمن النقاشات الجارية حاليًا.
وأضاف المصدر أن هذا المعطى سيشكّل أحد محاور التحضير للقاء المرتقب في 29 ديسمبر/كانون الأوّل بين نتنياهو وترامب، إذ يُعد اللقاء محطة تنسيق حول خطوات محتملة، في ضوء استمرار الغموض داخل البرنامج النووي، وعدم توفّر مؤشرات يمكن الركون إليها.
وأشار إلى أن الإشكالية الأساسية المطروحة حاليًا تتعلق بطبيعة العمل داخل البرنامج بعد الحرب، فلا توجد معطيات مؤكدة حول مواقع التشغيل الفعلي، ولا حول آلية إدارة القدرات المتبقية، ولا حول سرعة إعادة تنظيم بعض المسارات التقنية.
ولفت إلى أن نقاش احتمالات توجيه ضربات عسكرية جديدة لا يعني وجود قرار جاهز، لكنه يعكس انتقال الملف من مرحلة المتابعة إلى مرحلة الاختبار الجدي.
وأوضح الدبلوماسي الأمريكي أنه "عندما لا تتوافر معلومات قابلة للتحقق، يصبح العمل العسكري أحد الأدوات المطروحة، خصوصًا لدى دولة تعتبر هذا الملف جزءًا من أمنها المباشر".
يؤكد الدبلوماسي الأمريكي أن الخيارات المتداولة، بحسب ما سيرد في هذه المشاورات، تتعلّق بضرب نقاط تشغيل محددة، أو عناصر حماية مرتبطة بالبنية النووية، أو مسارات دعم تقني تسمح باستمرار العمل؛ هذه الخيارات تُبحث بصيغة عملياتية، مع التركيز على الزمن القصير والقدرة على التحكم بسقف التصعيد.
وأشار إلى أن الإدارة الأمريكية تتابع النقاش الإسرائيلي من موقع ضبط الإيقاع، و"ما يجري بحثه هو شكل أية خطوة محتملة، وحدودها، وتأثيرها الإقليمي، من دون التوجه إلى مواجهة واسعة".
المصدر يؤكد أن نتائج هذا التشاور ستتضح من مستوى الجهوزية، ومن طبيعة التحركات الميدانية، ومن الإشارات غير المباشرة التي تسبق عادة أي انتقال إلى مرحلة جديدة، لذا فإن استمرار الوضع الحالي يعني بقاء الملف ضمن دائرة المتابعة، بينما سيكون تغيّر الإيقاع انتقال النقاش إلى مستوى التنفيذ.
من جهته، يقول المحلل المتخصص في قضايا الأمن الاستراتيجي ومنع الانتشار النووي، ماركوس فيلدغرين، إن الاحتمال العسكري الإسرائيلي يرتبط اليوم بمسألة واحدة محددة وهي قابلية البرنامج النووي الإيراني للضبط، وتتعامل إسرائيل مع الملف كمنظومة عمل باتت عصيّة على التوصيف.
وأضاف فيلدغرين، لـ"إرم نيوز"، أن أي تحرك إسرائيلي محتمل لن يكون موجّهًا لإحداث "ضرر أكبر"، بل لإجبار البرنامج على العودة إلى حالة يمكن مراقبتها.
وأكد أن "الضربة، إذا حصلت، ستكون مصمَّمة لتكشف أكثر مما تُخفي، ولتعطّل نمط العمل غير المرئي الذي تراكم بعد الحرب السابقة".
وأوضح أن التشاور الإسرائيلي–الأمريكي لن يهدف إلى اتخاذ قرار سريع، وإنما إلى اختبار كلفة الاستمرار في وضع غير قابل للتوصيف، فكلما طال هذا الوضع، ارتفعت احتمالات اللجوء إلى عمل محدود يفرض إعادة ترتيب المشهد، حتى لو لم يؤدِّ إلى حسم نهائي.
بدورها، ترى خبيرة السياسة الخارجية الأمريكية وإدارة الأزمات الدولية، هيلينا ويتكومب، أن واشنطن تتعامل مع احتمالات التحرك الإسرائيلي بوصفها مسألة إدارة تداعيات أكثر منها مسألة موافقة أو رفض.
وتابعت ويتكومب، في حديثها لـ"إرم نيوز"، بأن "التركيز الأمريكي ينصبّ على ما سيحدث بعد أية خطوة، وعلى كيفية منع انتقال الأزمة من نطاقها الحالي إلى مستوى يصعب احتواؤه".
وأضافت أن الإدارة الأمريكية لا ترغب في مفاجآت استراتيجية، لكنها في الوقت نفسه لا تريد أن تجد نفسها أمام برنامج نووي يعمل خارج أي أطر يمكن التعامل معها دبلوماسيًا لاحقًا، بحسب المتحدثة.
وأوضحت ويتكومب أن واشنطن تميل إلى مقاربة مرنة تسمح لإسرائيل بالتحرك ضمن حدود معينة، مقابل التزام غير معلن بإدارة ما بعد الخطوة.
وأشارت إلى أن الخطر الحقيقي لا يكمن في الضربة نفسها، وإنما في غياب تصور واضح لكيفية إعادة الإمساك بالملف بعدها، سواء عبر قنوات سياسية أو ترتيبات أمنية غير مباشرة.