غارات إسرائيلية على مناطق متفرقة جنوبي لبنان
تكشف رسالة صادرة عن مالي والنيجر وبوركينافاسو نشرتها السفارة الروسية في السنغال عبر منصات التواصل الاجتماعي، عن توجهات موسكو في السياسة الخارجية، خاصة وأنها دعت إلى "دعم دولي في جهودها لمكافحة التطرف في منطقة الساحل الأفريقي".
وأثارت رسالة وجهها نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، دميتري تشوماكوف خلال اجتماع مجلس الأمن، مؤخرا تساؤلات حول حقيقة "فك الارتباط" مع هذه المنطقة الأفريقية.
تعد مالي وبوركينا فاسو والنيجر المنضوية ضمن تحالف دول الساحل وفقًا لموسكو، دول في طليعة مكافحة الإرهاب العابر لأفريقيا.
هذا الخطاب الجديد يثير تساؤلات: لماذا لم تُنقل هذه الرسالة من قِبل السفارات الروسية في باماكو أو نيامي أو واغادوغو، بل من قِبل السفارة الروسية في داكار؟
ويرى مراقبون في قرار نشر هذه الرسالة عبر منصات التواصل الاجتماعي للسفارة الروسية في داكار، بدلاً من بعثاتها في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، أن الخطوة ليست بـ"القضية الهيّنة".
فالسنغال مركز دبلوماسي إقليمي، وتضم العديد من وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وتُعتبر مكاناً أكثر "حيادية" من عواصم دول جنوب شرق أفريقيا.
وحسب مجلة "موند أفريك" الفرنسية، فإنه في موسكو، يُقصد بالخطاب المتعلق بمنطقة الساحل أن يكون هجوميًّا، حيث تُبرز روسيا نجاحاتها الأمنية وتحالفاتها "المناهضة للإمبريالية".
أما في باماكو وواغادوغو، فتسود نبرة أكثر تفاؤلًا، تمزج الخطاب السيادي بوعود التعاون العسكري والتعديني. أما في نيامي، فالتواصل أكثر تحفظًا، حيث يظل الجيش النيجري حذرًا في إظهار شراكة لا تزال ناشئة.
وفي داكار، اتخذت موسكو موقفًا دبلوماسيًّا مهذبًا، موجهًا نحو الرأي العام الدولي والمؤسسات متعددة الأطراف.
ويُمثل الوجود الروسي في منطقة الساحل الأوسط جزءًا من سياق جيوسياسي أوسع، حيث منذ رحيل القوات الفرنسية والأوروبية، سدّت موسكو الفراغ الأمني الذي خلّفه خصومها.
وما بين 2017 إلى 2021 تم توقيع اتفاقيات التعاون الأمني مع مالي، ثم توسيع نطاقها لتشمل دول الساحل الأخرى.
أما بين عامي 2022 و2023 ترسي مجموعة فاغنر، الناشطة بالفعل في جمهورية أفريقيا الوسطى وجودها في مالي ومهمتها الرسمية هي التدريب العسكري وتأمين مناطق التعدين.
والعام الماضي، أُعلن عن إنشاء فيلق أفريقيا، الخليفة الرسمي لفاغنر، مع إضفاء طابع رسمي أكبر عليه، بينما يتم استخدام نفس شبكات الرجال والمعدات، وقد تم تأكيد انتشاره في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وحاليا، توسع التعاون ليشمل المشاريع النووية المدنية ومشاريع الطاقة، مع الحفاظ على وجود عسكري سري ولكن فعال.
وتتلخص الرواية الروسية في تقديم نفسها باعتبارها شريكاً "محرراً" يخلص المنطقة من التأثيرات الغربية، في حين يعمل على تعزيز الوصول المتميز إلى الموارد الاستراتيجية من الذهب واليورانيوم والمنجنيز.
لكن تجد شعوب هذه المنطقة التي تعاني بالفعل من الفقر المدقع والهجمات المتطرفة، نفسها عالقة بين نارين هما العنف من جهة، والانتقام الأعمى من جانب القوى المحلية والأجنبية من جهة أخرى.
ويرى محللون أن خطاب تشوماكوف يكتسب بُعدًا خاصًّا عند مقارنته بتجربة روسيا في سوريا. بالنسبة لموسكو، مثّلت دمشق أولوية جيوسياسية حيوية. أما في منطقة الساحل، فالاستثمار أقل وأكثر انتهازية.
وفي سوريا، حشدت روسيا موارد جوية وبحرية ودبلوماسية هائلة.
أما في الساحل، فالتدخل بري وشبه عسكري في المقام الأول، مع ركائز سياسية محلية. لذا؛ قد تُمثل الدعوة إلى "دعم جماعي" بداية انسحاب حذر، أو حتى نقل المسؤوليات إلى جهات فاعلة أخرى حسب توقعات "موند أفريك".
ويبقى السؤال المطروح، هل تُجهّز روسيا لانسحاب مبكر من منطقة الساحل؟
فبينما أثبت تاريخ سوريا قدرتها على الصمود في تضاريسها الوعرة، لا تُقدّم منطقة الساحل القيمة الاستراتيجية نفسها لموسكو.
فمواردها المعدنية، مهما كانت جاذبيتها، لا تُبرّر بالضرورة التزامًا طويل الأمد في ظلّ بيئة أمنية غير مُسيطر عليها.