في وقتٍ أصبحت فيه ساحات القتال في أوكرانيا مقبرة للدبابات، من T-72 السوفيتية القديمة إلى أبرامز الأمريكية وليوبارد الألمانية، تكشف بكين عن دبابة جديدة من الجيل القادم مجهزة بأنظمة مضادة للطائرات المسيرة، وبرج آلي، ونظام دفع هجين.
هذا التطور يأتي بينما يعلن خبراء عسكريون أن عصر هيمنة الدبابة يقترب من نهايته، بعد أن أثبتت الطائرات المُسيّرة الرخيصة أنها قادرة على تدمير مركبات مدرعة تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، وفقًا لصحيفة "يوراسيان تايمز".
أوضحت الحرب الأوكرانية أن الدبابة لم تعد "ملك المعركة" كما كانت؛ فقد تمكنت طائرات مسيّرة رخيصة من نوع FPV تكلف الواحدة منها 500 دولار فقط من تدمير دبابة أبرامز بقيمة 10 ملايين دولار.
كما أظهرت الأسلحة المضادة للدروع المحمولة على الكتف مثل جافلين الأميركية وستوغنا-بي الأوكرانية قدرتها الفائقة على تعطيل الدبابات من مسافات قريبة وبطرق تكتيكية مرنة، حتى من فوق أسطح المباني أو من داخل الخنادق.
ومع ذلك، فإن هذا ليس التهديد الأول للدبابات، فمنذ معركة السوم عام 1916 ظهرت باستمرار أسلحة مضادة للدبابات، لكن الدبابة تكيفت واستمرت.
وأكد بول شار، جندي سابق في الجيش الأمريكي ومدير الدراسات في مركز الأمن الأمريكي الجديد، أن دور الدبابات في الحروب الحديثة يتضاءل، وأنها ستنتقل إلى "دور أكثر شمولاً في التنظيف".
ويشير إدوارد لوتواك، الاستراتيجي العسكري الشهير، إلى أن المشاة المجهزين بصواريخ مضادة للدبابات يشكلون تهديدًا متزايدًا على الدبابات الحديثة، في ضوء الدروس المستفادة من أوكرانيا.
شهدت الحرب أيضًا فعالية أسلحة الجيل الجديد الخفيفة المضادة للدبابات (NLAW)، التي يمكن استخدامها من مواقع متعددة، ما أعطى الجيش الأوكراني القدرة على مهاجمة الدبابات الروسية باستخدام دراجات نارية، وعربات جولف، أو شاحنات أورال غير مدرعة محاطة بأقفاص مضادة للطائرات دون طيار.
ووفقًا لتحليلات مجموعة أوريكس الاستخباراتية، خسرت روسيا حوالي 3800 دبابة مدمرة أو متضررة، بينما خسرت أوكرانيا نحو 1100 دبابة حتى مايو الماضي.
على الرغم من هذه الخسائر، بدأت الدول تتكيف مع تحديات الطائرات دون طيار، إذ تعمل العديد من الدول على دمج أنظمة مضادة للطائرات المسيرة في دباباتها الجديدة.
وفي هذا السياق، من المقرر أن تكشف الصين الشهر المقبل عن دبابة متوسطة الوزن من الجيل الجديد، أخف من دبابة القتال الرئيسية Type 99A، ومزودة بأنظمة حماية نشطة GL6 ورادار مصفوفة مرحلية رباعي الأوجه، يتيح اكتشاف التهديدات بزاوية 360 درجة واعتراض الصواريخ والطائرات دون طيار.
إلى جانب المدفع الرئيسي عيار 105 ملم، تمتلك الدبابة نظامًا مضادًا للطائرات المسيرة، ونظامًا خاصًا للطائرات دون طيار للاستطلاع، ما يوسع نطاق المعلومات الاستخباراتية للطاقم ويحول الدبابة إلى مركز معلومات قتالي.
كما يُتوقع أن تكون مجهزة ببرج آلي، يفصل الطاقم عن الذخيرة، ويزيد من حماية الطاقم، ونظام دفع هجين يقلل من توقيعها الصوتي ويزيد قدرتها على الحركة في التضاريس المعقدة.
من جانبه، أكد المحلل العسكري الصيني فو تشيانشاو أن الدبابة الجديدة تعكس المتطلبات الأساسية للحرب البرية المستقبلية: القدرة على البقاء، والمعلوماتية، والتعددية الوظيفية.
ويشير ظهور هذه الدبابة إلى احتمال التخلص التدريجي من نماذج الدبابات القديمة مثل النوع 96 والنوع 99.
ليست الصين الدولة الوحيدة التي تعمل على تحديث دباباتها؛ فقد حصلت دبابات Abrams M1A1 الأمريكية في أوكرانيا على شاشات مضادة للطائرات المُسيّرة ودروع تفاعلية متفجرة.
أما روسيا، فطورت دبابات T-72 بأسقف معدنية مغطاة بشبكات، أطلق عليها الأوكرانيون اسم "دبابات السلاحف"؛ إذ تهدف هذه التعديلات إلى تفجير الشحنات المتفجرة للطائرات دون طيار قبل الوصول إلى الدبابة.
كما تطور دول عدة دبابات الجيل الرابع، منها T-95 وT-14 أرماتا الروسية، ودبابة Abrams X الأمريكية، ودبابة M10 بوكر، بينما تخطط المملكة المتحدة لتحديث تشالنجر 2 إلى تشالنجر 3، وألمانيا لتطوير ليوبارد 3.
وستكون هذه الدبابات مزودة بأنظمة إلكترونية ورقمية متقدمة، ورادارات قوية للكشف عن المقذوفات والاشتباك معها تلقائيًا، إضافة إلى دمج الطائرات المسيرة لتعزيز قدراتها القتالية والاستطلاعية.
وعلى الرغم من أن حرب أوكرانيا كشفت عن نقاط ضعف الدبابات الحديثة، فإن هذه المركبات لم تفقد مكانتها في ميادين القتال عالية الكثافة.
فالابتكارات الحديثة، بما في ذلك أنظمة الحماية النشطة، والأبراج الآلية، والطائرات المسيرة المدمجة، تعكس تحول الدبابات من منصات قتالية تقليدية إلى منصات معلوماتية متعددة الوظائف، تؤكد استمرار أهميتها في الحروب المستقبلية.