بعد يوم واحد على واحدة من أعقد الأزمات السياسية التي تواجهها فرنسا، عقب استقالة رئيس الوزراء، سيباستيان ليكورنو، تواجه البلاد 6 أسئلة معلقة عن المستقبل السياسي، القريب والبعيد.
وجاءت استقالة ليكورنو بعد فترة قصيرة من تولي الحكومة الجديدة مهامها، مثيرة تساؤلات "مقلقة" حول كيفية إدارة البلاد، خاصة مع اقتراب مناقشة ميزانية 2026، وفق تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية.
وبحسب الدستور والعُرف الجمهوري، توجد آليات للحفاظ على استمرارية الدولة، لكن الواقع السياسي المعقد يجعل المستقبل غامضاً، مع مخاوف من أن تطول فترة عدم اليقين، مما يهدد الاستقرار الاقتصادي والمؤسسي.
مع استقالة ليكورنو، أصبحت الحكومة المستقيلة مسؤولة عن إدارة الشؤون اليومية للبلاد حتى تعيين حكومة جديدة، وهذا الوضع يشبه ما حدث بعد استقالة فرانسوا بايرو في 9 سبتمبر الماضي.
وسيتولى الوزراء الـ18 الجدد ووزراء الدولة، الذين عُينوا مساء الأحد 5 أكتوبر، إدارة الحكومة المؤقتة إلى جانب ليكورنو نفسه. يؤكد بول كاسيا، أستاذ القانون العام في جامعة باريس الأولى بانتيون السوربون، أن مرسوم التعيين صدر قبل قبول الاستقالة، مما يجعل هذه الحكومة مسؤولة عن الاستمرارية.
ومع ذلك، هناك استثناءات، فبرونو لومير، طلب إعفاءه، لذا سيتولى ليكورنو إدارة وزارة القوات المسلحة مؤقتاً، أما بعض الحقائب الوزارية مثل السياحة والتجارة والمحاربين القدامى لم تكن مدرجة في حكومة ليكورنو، وستُدار من قبل الوزارات الإشرافية التابعة.
وسيقتصر دور الوزراء المستقيلين، قانونياً، على الأعمال الإدارية المحايدة سياسياً، مثل معالجة طلبات الجمعيات، دون إنشاء حقوق أو واجبات جديدة، كما سيحتفظون بحق اتخاذ قرارات طارئة في حالات مثل الهجمات أو الأزمات الصحية.
ولا يمكن للجمعية الوطنية إسقاط هذه الحكومة، حيث تم تأكيد استقالتها بالفعل، لذ فإن هذا الوضع يعكس شعوراً بالتكرار، إذ لم يمضِ على تعيين الوزراء الجدد سوى 836 دقيقة قبل الاستقالة، مما يعيق عملية تسليم السلطة السلسة.
ومع ذلك، يضمن الدستور استمرار عمل الدولة، لكن عدم اليقين يظل قائماً في ظل التوترات السياسية، وفق "لوموند".
طلب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من ليكورنو إجراء مشاورات نهائية للوصول إلى حل وسط ضمن "النواة المشتركة" بين حزبه واليمين بحلول مساء الأربعاء. ومع ذلك، أكد عدم رغبته في العودة إلى رئاسة الوزراء حتى لو نجحت المشاورات.
لكن القرار في النهاية يعود إلى الرئيس، الذي ليس ملزماً بموعد نهائي، ويمكنه نظرياً تعيين أي شخص، بما في ذلك إعادة تعيين ليكورنو رغماً عنه.
أما منطقياً، فقد يفضّل ماكرون شخصية راغبة وتحظى بإجماع لتجنب استقالة أخرى أو إطاحة سريعة عبر تصويت اللوم في الجمعية، فيما يبدو أن تعيين رئيس وزراء من الكتلة المركزية مستبعداً بعد فشل بايرو وليكورنو، كما أن التوترات مع اليمين تجعل اختياراً من حزب الجمهوريين غير مؤكد.
وقد يلجأ ماكرون إلى اليسار أو حزب التجمع الوطني، رغم أنهما أقلية، وسيتطلب ذلك تفاوضاً على تحالفات لتجنّب الإطاحة، إذ حكم عدم الأهلية بحق زعيمة اليمين مارين لوبان لا يمنع ترشيحها نظرياً، وقد أعلن حزبها استعداده للتواصل بشأن اتفاق حكومي.
وفي سيناريو آخر، قد يعيّن ماكرون شخصية غير سياسية لحكومة "فنية" لإدارة الطوارئ مؤقتاً، في محاولة لتجاوز الانقسامات.
مع الجمود في البرلمان المنقسم إلى ثلاث كتل كبيرة دون أغلبية، يبرز حل الجمعية الوطنية كحل محتمل، مما يدعو إلى انتخابات تشريعية جديدة، وهو أمر ممكن قانونياً، إذ مرّ عام على الانتخابات الأخيرة في يونيو ويوليو 2024، مما يحترم الحد الأدنى الدستوري.
لكنّ هناك عائقا سياسيا، فأمل ماكرون في الحصول على أغلبية ضئيل، بينما يزداد خطر فوز حزب التجمع الوطني. وهذا "السلاح الرئاسي"، وفق الصحيفة الفرنسية، قد يعمّق الأزمة إذا لم يغير التوازنات.
يدعو قادة من حزب فرنسا الأبية والتجمع الوطني، وبعض اليمينيين مثل إدوارد فيليب وديفيد ليسنار وجان فرانسوا كوبيه، ماكرون إلى الاستقالة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
لكن ماكرون يصر على استكمال ولايته حتى 2027، فيما يسعى التجمع الوطني لعزله منذ عام، وقدم اقتراحاً جديداً في 9 سبتمبر. ودستورياً تنظم المادة 68 العزل لـ"إخلال بواجباته بما يتعارض مع ممارسة ولايته"، سواء سياسياً أو شخصياً إذا مس بهيبة المنصب".
وتبدأ العملية باقتراح من 58 نائباً أو 35 عضواً في الشيوخ، ثم موافقة اللجنة القانونية، فأغلبية الثلثين في المجلسين، ثم قرار المحكمة العليا خلال شهر، لكن النتائج غير "مضمونة" بسبب التعقيد.
يجب التصويت على الميزانية بحلول 31 ديسمبر، لكن استقالة ليكورنو أبطلت تقديم مشروع قانون المالية، لذا، تقع المهمة على الحكومة الجديدة، مع تحذير خبراء من ضرورة تقديم النص بحلول 13 أكتوبر.
يرى بول كاسيا صعوبة الوفاء بالموعد، إذ يستغرق إعادة الصياغة أياماً أو أسابيع، بينما تشمل الحلول تصويتاً منفصلاً على الإيرادات لتحصيل الضرائب، أو مشروع قانون خاص لتمديد الميزانية السابقة مؤقتاً، كما حدث في 2025، مع مراسيم للنفقات الضرورية.
أنهى ليكورنو في سبتمبر المزايا مدى الحياة لرؤساء الحكومات السابقين، لكن يبقى بدل لثلاثة أشهر بعد الولاية. نظرياً، يمكن للوزراء الجدد الاستفادة، لكن يشترط ترك مناصب أخرى، وهو ما لم يحدث بسبب القصر الزمني.
يقول ماثيو كارون، محاضر في القانون العام، إن أسباب السمعة والأخلاق تحول دون طلبهم ذلك. أما الـ12 وزيراً المعاد تعيينهم من حكومة بايرو، مثل برونو ريتيللو وجيرالد دارمانين ورشيدة داتي، فيستفيدون مشروعاً.