أثار برونو ريتايو، زعيم حزب الجمهوريين (LR)، جدلًا جديدًا في المشهد السياسي الفرنسي بإعلانه نهاية ما يُعرف بـ"الماكرونية"، معتبرًا أنها ظاهرة مرتبطة بشخص واحد أكثر من كونها تيارًا سياسيًا متماسكًا.
وفي خضم إعادة تشكيل المشهد الحزبي الفرنسي، تطرح تساؤلات جدّية حول مصير إرث إيمانويل ماكرون السياسي، مع اقتراب نهاية ولايته الثانية.
في مقابلة مطولة مع مجلة "فالور أكتويل"، صعّد ريتايو من لهجته تجاه ماكرون، مؤكدًا أن "الماكرونية ستنتهي مع إيمانويل ماكرون لأنها ليست حركة سياسية ولا أيديولوجيا، بل ترتكز على رجل واحد فقط".
وأضاف بنبرة حاسمة: "أنا لا أؤمن بـ'في آنٍ واحد' لأنه يغذي العجز"، شعار غير رسمي للماكرونية.
وقد تم تأجيل لقاء كان من المقرر أن يجمع بين ريتايو والرئيس الفرنسي في الإليزيه، في ظل أجواء توتر واضحة بعد التصريحات الأخيرة.
هذه الانتقادات ليست جديدة، بحسب "لوجورنال دو ديمانش" فقبل شهرين، قالت المتحدثة باسم الجمهوريين، صوفي بريماس، إن "الماكرونية ستصل إلى نهايتها"، ما أثار استياء أنصار الرئيس.
وردّت النائبة عن حزب "النهضة" (Renaissance) والوزيرة السابقة بريسكا تيفونو في تصريح للصحيفة، قائلة: "من المضحك أن نسمع هذا من حزب لم يفز بأي انتخابات وطنية منذ 18 عامًا".
عند انتخابه عام 2017، مثّل ماكرون ظاهرة سياسية مفاجئة، مستفيدًا من انهيار الحزبين التقليديين – الاشتراكيين والجمهوريين. لكن حركته "إلى الأمام" لم تتطور إلى حزب مؤسسي بقاعدة جماهيرية متينة.
لم تكن مهمتها تنظيم طموحات سياسية متباينة أو بناء حضور في العمق الفرنسي، بل ظلت أداة بيد ماكرون للوصول إلى السلطة.
ويقول المحلل السياسي لوك جرا، في تصريح للصحيفة: الماكرونية وُلدت على خلفية وعد بتأسيس عالم سياسي جديد، لكنها تحولت بسرعة إلى قوقعة فارغة".
وبعد نحو عشر سنوات على انطلاقتها، يرى جرا أن الماكرونية تبدو اليوم وكأنها مجرد استثناء مؤقت في مسار الجمهورية الخامسة، أكثر من كونها ثورة سياسية مستدامة.
حتى الآن، لا يبدو أن هناك وريثًا واضحًا لهذا المسار. رئيس الوزراء الأسبق إدوار فيليب، والوزير الحالي جابرييل أتال، استفادا من الماكرونية للوصول إلى مواقع النفوذ، لكن كليهما، كما يرى جرا، سيعود إلى جذوره الفكرية في عام 2027: فيليب نحو اليمين الأورلياني وأتال نحو اليسار الاجتماعي الديمقراطي.
بالتوازي، تتشكل خريطة سياسية جديدة في فرنسا. على اليسار، تيار راديكالي تقوده فرنسا الأبية (LFI)، إلى جانب يسار اجتماعي ليبرالي يمثله رافاييل جلوكسمان.
وعلى اليمين، صعود لمحور ليبرالي محافظ يقوده ريتايو، مع استمرار نفوذ اليمين القومي ممثلًا بالتجمع الوطني (RN).
وفي حال ترسخت هذه الثنائية القطبية، فإن نهج "في آنٍ معًا" الذي ميّز الماكرونية سيكون مجرد مرحلة عابرة في التاريخ السياسي الفرنسي الحديث.
رغم ذلك، لا يزال بعض المقربين من ماكرون يؤمنون ببقاء الخط السياسي الذي أسسه. تقول بريسكا تيفونو: "طالما وُجدت شخصيات تحمل رؤية أوروبية، وسياسة اقتصادية ليبرالية، وطموحًا للتقدم الاجتماعي، فإن خطنا السياسي سيستمر".
لكن هذا التفاؤل مشروط بخروج ماكرون من المعادلة السياسية. وحتى اللحظة، لا يبدو أن أيًا من الطامحين إلى الرئاسة – بمن فيهم فيليب وأتال – مستعد لتجديد الماكرونية كمنظومة فكرية متكاملة، خصوصًا مع شعور متزايد لدى الفرنسيين بأنها فقدت الوضوح والتماسك، وأصبحت تعبيرًا عن التناقض أكثر من كونها مشروعًا سياسيًا فعّالًا.