صحة غزة: الهجمات الإسرائيلية في الساعات الـ24 الماضية قتلت 68 شخصا وأصابت 362 آخرين
كشفت فلورنس بيرجو-بلاكليه، رئيسة المركز الأوروبي للبحث والمعلومات (CERIF)، كيفية بناء جماعة الإخوان المسلمين مجتمعات موازية داخل أوروبا، مؤكدة أن بناء أنظمة بيئية اجتماعية داخل المجتمعات الأوروبية "بنية الظل" يمتد من التعليم والرياضة إلى التوظيف والعلاقات العامة.
وناقشت الباحثة الفرنسية المتخصصة في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS)، في حوار خاص مع "إرم نيوز"، المبادرة الفرنسية لتدويل المواجهة مع الإسلام السياسي.
وأشارت فلورنس بيرجو-بلاكليه إلى السيناريوهات المحتملة لمواجهة أوروبية موحدة ضد الجماعة، والتحديات السياسية والقانونية التي تعيق إدراجها على لائحة الإرهاب.
وكان تقرير استخباراتي فرنسي أثار جدلًا واسعًا في باريس وبروكسل، بعدما أشار إلى أن الجماعة تواصل ترسيخ وجودها في المجتمعات الأوروبية عبر شبكات محلية معقدة.
والتقرير، الذي استند إلى مصادر ميدانية وتحقيقات استخباراتية، يرسم ملامح "بنية ظل" متكاملة تعمل على تطويق المسلمين ضمن فضاء ديني-اجتماعي منفصل، مستفيدة من أطر قانونية أوروبية ومن هامش الحريات لتوسيع نفوذها وتثبيت حضورها في المجتمعات الغربية.
وترى الباحثة أن التقرير سالف الذكر "استفاد بلا شك من المعطيات التي جمعتها أجهزة الاستخبارات، إلى جانب مساهمات عدد قليل من الباحثين الأكاديميين"، مشيرة إلى أن الدراسات حول الإسلاموية في أوروبا نادرة جدًا بسبب التهديدات التي يتعرض لها الباحثون.
واعتبرت أن "التقرير المؤلف من 73 صفحة يرسم صورة لجماعة قامت بتشييد شبكة تموضع واسعة النطاق بشكل صبور ومنهجي، ويُذكر فيه أن 7% من أماكن العبادة الإسلامية على الأراضي الفرنسية تقع تحت التأثير المباشر للإخوان المسلمين، إضافة إلى حوالي 280 جمعية مرتبطة بهم، لكن التقرير يقرّ بأن ما يقدمه ليس إلا رؤية جزئية للوضع نظرًا للطبيعة السرية للتنظيم".
وبينت أنه "على الصعيد المالي، يشير التقرير إلى الدور الذي تلعبه صناديق الوقف والمشاريع العقارية التي تستغلها الحركة، إلى جانب التمويلات الأجنبية، لا سيما القادمة من قطر، والسعودية، بل ومن الاتحاد الأوروبي أيضًا".
ولفتت إلى أنه "للمرة الأولى، يحدد التقرير بشكل دقيق "الدائرة الضيقة" التابعة للحركة، والتي يُحتمل أن تكون خاضعة لقسم أو التزام تنظيمي، ويُقدَّر عدد أفرادها بحوالي 400 شخص، دون أن يتجاوز 1000، هذا التقدير العددي للنواة الصلبة للتنظيم هو أمر غير مسبوق ويمثل تقدمًا من حيث الفهم الاستخباراتي للبنية الداخلية للتنظيم".
وقالت إنه "يشدد على الهدف البنيوي للحركة، والمتمثل في تنظيم حياة المسلمين من الولادة حتى الوفاة، عبر إنشاء "أنظمة بيئية" محلية، وهو يشير إلى منطق طويل الأمد بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي".
ووفق الباحثة الفرنسية، "يصف التقرير كيف تُنسج هذه "الأنظمة البيئية" ميدانيًا، متجاوزةً المجال الديني لتشمل: تعليم القرآن، والتجارة المجتمعية، والأنشطة الرياضية، والدعم المدرسي، والتعليم الخاص، والسفر، والتنمية الذاتية، والمساعدة في التوظيف، ومواقع التعارف".
ورأت أن "هذا التشابك المتعدد الأبعاد يدلّ على استراتيجية تجذّر اجتماعي أوسع بكثير مما كانت تشير إليه التقارير السابقة".
"وأخيرًا، يسلّط الضوء على قدرة متزايدة للتأثير على المنتخبين المحليين و"المؤثرين المجتمعيين"، وهي بُعد لم يكن موثقًا بهذا الوضوح من قبل"، بحسب بلاكليه.
وذكرت أن "المبادرة الفرنسية التي يشير إليها التقرير تقوم أساسًا على تحرك دبلوماسي وسياسي لرفع مستوى الوعي داخل المؤسسات الأوروبية، وهي تهدف إلى حشد المفوضية الأوروبية، والنواب، والموظفين الأوروبيين حول هذه القضية".
وقالت فلورنس بيرجو-بلاكليه: "تسعى فرنسا إلى تشكيل ائتلاف من الدول الأعضاء التي تتقاسم الهواجس نفسها بشأن الإسلاموية السياسية واختراق المؤسسات".
وأضافت: "تعتمد قدرة فرنسا على التعبئة ضد نفوذ جماعة الإخوان على عدة عوامل، تجعل من هذه المبادرة ممكنة ولكن صعبة، دول مثل النمسا، وبلجيكا، وهولندا، والدنمارك عبّرت بالفعل عن مخاوفها من الشبكات الإسلامية واختراق المؤسسات، ويمكن التعاون معها".
واستطردت: "ألمانيا، رغم أنها أكثر حذرًا، تتابع أنشطة الحركة من كثب من خلال أجهزتها الاستخباراتية، إذ يمكن أن تُشكّل هذه الدول نواة لتحالف قائم على تشابه المواقف، وقد تجرّ وراءها دولًا أخرى".
واستكملت حديثها لـ"إرم نيوز": "لكن القرارات قد تتغير مع تغير التوجهات السياسية للحكومات، إذ إن هذا الملف قابل للاشتعال سياسيًا بسبب الاعتبارات المرتبطة بالتصويت الإسلامي".
وكشفت أن "الإخوان المسلمين يعملون من خلال شبكات سرية غير رسمية ومجزأة، ما يجعل من الصعب تحديدهم، فبعض الدول تستضيف أو تدعم فروعًا للجماعة، إلى جانب أنها غير مصنفة كمنظمة إرهابية في الاتحاد الأوروبي، وإدراجها على لائحة سوداء يتطلب إجماعًا قانونيًا وسياسيًا صعب المنال، نظرًا لغياب أدلة موحدة وجرائم مباشرة يمكن نسبتها للتنظيم ككل".
وأشارت إلى أن "الحكومات الأوروبية لا ترغب في النفور من جاليات مسلمة كبيرة قادمة من هذه الدول ومن القارة الإفريقية".
واعتبرت أنه "منذ السابع من أكتوبر، زادت التوترات المجتمعية بسبب التفاعلات مع أحداث غزة، ما أدى إلى استقطاب الرأي العام، وفي هذا السياق، أي مبادرة يُنظر إليها على أنها تستهدف منظمات أو خطابات إسلامية، يمكن أن تُعد بمنزلة قمع سياسي أو شكل من أشكال "الإسلاموفوبيا المؤسساتية".
وردًا على سؤال حول تأثير تبنّي مثل هذه السياسة على وجود الحركة في دول مثل ألمانيا، أو بلجيكا أو النمسا، حيث لها هياكل مؤسسية أجابت الباحثة: "حسب علمي، لا تعلن جماعة الإخوان عن نفسها رسميًا في أي بلد أوروبي، لكن لها مؤسسات قائمة بدرجات متفاوتة في جميع هذه البلدان".
أما بالنسبة للسيناريوهات المحتملة في حال تم تبنّي سياسة أوروبية موحدة ضد الإخوان المسلمين فرأت أنه "يمكن أن تتخذ السياسة الأوروبية الموحدة ضد جماعة الإخوان شكلين رئيسين، أحدهما سلبي والآخر أكثر نشاطًا".
والسيناريو الأول "يقظ سلبي" يشمل: وضع إطار مشترك لليقظة المعززة، دون تجريم مباشر، ويتضمن مراقبة مشددة للجمعيات القريبة من الحركة، وآليات لتجميد الأصول، وربط التمويلات العامة (محلية أو أوروبية) بشرط الحياد الأيديولوجي، وتصنيف بعض الكيانات كـ"منظمات ذات مخاطر" (قائمة رمادية) بهدف منع تمويلها.
أما السيناريو الثاني الأكثر نشاطًا فيشمل، إدراج بعض الكيانات الفرعية (منظمات غير حكومية، أو جمعيات، أو مؤسسات) على القائمة السوداء تمهيدًا لتفكيكها.
وأضافت: "مثال Humani’terre، CBSP، وبعض فروع "مسلمو فرنسا"، مع حلّ بعض الكيانات القانونية، كما حدث في فرنسا مع CCIF".
وختمت فلورنس بيرجو-بلاكليه قولها: "سيكون للتنسيق الأوروبي أثر فعال، إذ إن الحظر في بلد واحد سيُعترف به في بلدان أخرى، ما يمنع إعادة تشكيل كيانات مثل CCIF كما حدث سابقًا في بروكسل".