رئيس الموساد يعتبر أن على إسرائيل "ضمان" عدم استئناف إيران لبرنامجها النووي
في خضم التحولات الجيوسياسية وتسارع سباق التحول الأخضر، باتت أوروبا تبحث عن شركاء موثوقين يضمنون تنويع سلاسل الإمداد وتعزيز أمن الطاقة وتقليل الاعتماد على القوى الكبرى المتقلبة.
وفي هذا السياق، برزت كازاخستان كلاعب محوري في الرؤية الأوروبية الجديدة نحو آسيا الوسطى.
تمثل كازاخستان أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة وتستحوذ على نحو 82% من تجارتها مع الاتحاد الأوروبي، ما يجعلها شريكًا اقتصاديًّا لا غنى عنه في استراتيجية "البوابة العالمية" التي أطلقتها بروكسل لتعزيز الاستثمارات في البنية التحتية والطاقة المستدامة.
وبحسب "EU Reporter"، شهد التعاون الأوروبي الكازاخي قفزة نوعية منذ عام 2022، مع توقيع مذكرة تفاهم حول الهيدروجين المتجدد والمواد الخام الحيوية، تلتها خارطة طريق عام 2023 تترجم الالتزامات إلى مشاريع عملية في مجالات الليثيوم والنيكل والمعادن الأرضية النادرة.
كما رُصد تمويل أوروبي بقيمة 12 مليار يورو لتطوير مشروعات النقل والطاقة والرقمنة في عموم آسيا الوسطى. هذه الخطوات تعكس تحول كازاخستان من مجرد مصدر للمواد الخام إلى شريك صناعي متكامل في منظومة الاقتصاد الأخضر الأوروبي.
الطاقة والنقل.. عمودا التعاون الاقتصادي الجديد
تُعد مشاريع الطاقة المتجددة أقوى رموز هذا التعاون الناشئ. فمشروع "هيراسيا وان" في إقليم مانغيستاو بقيادة شركة سفيفيند الألمانية يُعتبر من أكبر مشاريع الهيدروجين في العالم، بطاقة 40 جيجاوات وقدرة إنتاج تصل إلى مليوني طن من الهيدروجين الأخضر سنويًّا.
كما تُشارك شركات أوروبية كبرى مثل توتال إنرجيز وإيني وبلينيتيود في مشاريع رياح وطاقة شمسية ضخمة تمتد من زامبيل إلى أكتوبي.
يدعم البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية جهود إزالة الكربون في المدن الكازاخية، عبر تمويل حافلات كهربائية وتحديث محطات التدفئة وتحسين كفاءة الإضاءة، في إطار توجه شامل لجعل ألماتي وأستانا نموذجين للمدن المستدامة في آسيا الوسطى.
إلى جانب الطاقة، يشكّل قطاع النقل محورًا استراتيجيًّا للتكامل بين الجانبين. فمشروع الممر الأوسط، الذي يربط الصين بأوروبا عبر بحر قزوين وجنوب القوقاز، يحظى باستثمارات أوروبية متزايدة.
تعمل كازاخستان على تحديث موانئ أكتاو وكوريك، وبناء خطوط سكك حديدية جديدة مثل موينتي–كيزيلجار ودوسْتيك–موينتي نحو الصين، ضمن خطة شاملة لإضافة 5000 كيلومتر من السكك الحديدية الجديدة وإصلاح 11000 كيلومتر.
وتشارك شركات أوروبية مثل ألستوم وستادلر في إنتاج القاطرات وعربات الركاب داخل البلاد. هذه المشاريع تضع كازاخستان في موقع البوابة البرية الحديثة لأوروبا نحو آسيا.
تكامل صناعي نحو شراكة متوازنة
لم يقتصر التعاون الأوروبي الكازاخي على الاستثمار في الموارد أو البنية التحتية، بل امتد إلى مواءمة المعايير التنظيمية وحوكمة الشركات.
فقد بدأت كازاخستان في اعتماد أطر الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (ESG)، وتطبيق معايير الامتثال الأوروبية، مما يقلل من تكاليف المعاملات ويُسهّل دخول رأس المال الأجنبي.
تجاوزت الاستثمارات الأوروبية 200 مليار دولار منذ عام 2005، بينها 12.5 مليار في عام 2023 وحده، وهو مؤشر على الثقة المتزايدة في بيئة الأعمال الكازاخية.
تسعى أستانا إلى أن تصبح مركزًا إقليميًّا للصناعات التحويلية، عبر مشروعات مثل "كوف كابيتال" للمعادن الأرضية النادرة، التي تطمح إلى إكمال سلسلة القيمة من التعدين إلى التصنيع المتقدم.
وبذلك تتحول كازاخستان من مُصدّر للمواد الخام إلى شريك في سلاسل الإنتاج الأوروبية عالية التقنية، خصوصًا في قطاعات الطيران والبطاريات والسيارات الكهربائية.
ورغم هذه الإنجازات، تواجه الشراكة تحديات لوجستية وبشرية، منها ندرة المياه في مناطق إنتاج الهيدروجين، وضرورة مواءمة التعريفات والأنظمة الجمركية مع دول الجوار، إضافة إلى الحاجة لتطوير رأس المال البشري وتوطين الكفاءات الهندسية المدربة في أوروبا؛ لكن هذه العقبات لا تقلل من الزخم القوي للعلاقة الثنائية.
شراكة جيوستراتيجية
في المحصلة، يتجاوز التعاون بين كازاخستان وأوروبا الطابع التجاري إلى تحالف جيوستراتيجي يعيد تشكيل التوازن الاقتصادي في أوراسيا.
فبينما تبحث أوروبا عن مرونة واستقلالية في الطاقة وسلاسل الإمداد، تسعى كازاخستان إلى ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي لصناعات المستقبل؛ إذ إنها شراكة تقوم على المنفعة المتبادلة: أوروبا تضمن أمنها الاقتصادي، وكازاخستان تندمج في الاقتصاد العالمي المتقدم.
وفي ظل التحديات العالمية المتصاعدة، قد تُصبح هذه العلاقة نموذجًا لشراكة جديدة بين الشرق والغرب، قائمة على الاستدامة، والاعتمادية، والتكامل الصناعي الحقيقي.