تُمثل الإستراتيجية الجديدة للمتشددين خنق العاصمة باماكو اقتصادياً نقطة تحول في الحرب، التي تعيشها مالي منذ ما يزيد على عقد من الزمان، فقد فرضت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين حظراً غير مسبوق على المنتجات النفطية.
وتجري هذه الحرب في المنطقتين الوحيدتين، الغرب والجنوب الغربي، اللتين كانتا حتى الآن بمنأى نسبيًا عن عنف المتطرفين.
ولأول مرة، في الأول من من شهر تموز/يوليو الماضي، شن المتمردون هجومًا على كايس، المدينة الغربية الكبيرة، موطن العديد من الماليين والواقعة في منتصف الطريق بين داكار وباماكو.
كما تعرض المركز الحدودي مع السنغال، على بُعد 90 كيلومترًا، لإطلاق النار في ذلك اليوم.
ومع أن جماعة النصرة لا تسيطر على التضاريس في هذه المناطق، ولا تفرض قواعدها وضرائبها في القرى، كما تفعل في الشمال أو الوسط، لكن هذا يُظهر أنها الآن قادرة على الضرب حيثما تراه مناسبًا في جميع أنحاء الأراضي المالية وفق ما استنتج مراقبون.
وبينما تمكنت بعض المركبات من الإفلات من حصار التنظيم المسلحة واتجهت نحو باماكو، كانت كمائن وحواجز الطرق المؤقتة كافية لردع بعض الناقلين، وقد أعدم الجهاديون عددًا من السائقين كما تكشف مصادر موثوقة.
ويؤكد أكاديمي مالي، طلب عدم الكشف عن هويته: "هذا الحصار على الطرق ليس مُكلفًا عسكريًا لجماعة تنظيم نصرة الإسلام فكل ما يتطلبه هو بضعة مقاتلين مُسلحين، ولكنه مُربح للغاية سياسيًا واقتصاديًا: لا يُمكن للجماعة إلا أن تخرج أقوى".
وبدا أن المتشددين يُمارسون نوعاً من الابتزاز للسماح لبعض الجهات الاقتصادية بالمرور، وفي حال انقطاع الإمدادات في باماكو، فقد يُسببون أزمة اجتماعية تُضعف نظام باماكو.
وبعد شهر من فرض حظر اقتصادي استقرت أسعار الوقود في العاصمة، وبحسب شهود عيان، في محطات الوقود، لا يزال سعر لتر البنزين 775 فرنكًا أفريقيًا أي حوالي 1.20 يورو، وهو السعر الأقصى الذي حددته الحكومة المالية.
ورغم عمل السلطات على الحد من المضاربة، وتعقّب تجار السوق السوداء، فإنه في المدن الداخلية مثل موبتي، وسيكاسو، وسيغو وسان، بدأت تظهر بالفعل تقارير عن نقص في الوقود.
وفي الـ29 من شهر أيلول/سبتمبر الماضي، تم إغلاق 50% من محطات الوقود في سيغو، وفقًا لوثيقة داخلية صادرة عن المديرية الإقليمية للتجارة، وفي الأيام الأخيرة، تشكلت طوابير طويلة أمام مضخات البنزين.
وفي الـ6 من ذات الشهر، شنّ الجيش عملية برية وجوية واسعة النطاق في منطقتي كايس ونيورو بمنطقة الساحل، وحاول المجلس العسكري الحاكم في باماكو طمأنة سائقي الشاحنات بالوعد بتأمين أجزاء من الطرق المكشوفة، وقد رافقت دوريات الحراسة العسكرية عدة قوافل بأمان إلى وجهاتها.
ورغم ذلك، فإن هجمات الجهاديين مستمرة، حيثُ انتشر، يوم أمس الإثنين، مقطع فيديو في مالي يُظهر شاحنة صهريج مشتعلة في الأدغال بالقرب من كولونديبا، على بُعد 80 كيلومترًا من الحدود الإيفوارية.
كما يستهدف الحصار أيضًا بعض شركات نقل الركاب. وقد أشار أحد المتحدثين باسم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، إلى شركة "ديارا" للنقل، إحدى أكبر شركات البلاد، عند الإعلان عن الحظر، حيث مُنعت حافلاتها من العمل في جميع أنحاء مالي.
ويلخص تقرير صادر عن معهد الدراسات الأمنية الوضع في هذا البلد غير الساحلي، موضحًا أن المتطرفين يعاقبون المدنيين الذين يقاومون الجهاديين أو يتعاونون مع الجيش، كما يُشير إلى أن "الحصار يُشوّه سمعة الجيش علنًا بإظهار عجزه عن تأمين الطرق ذات الأولوية، ويهدف إلى خنق العاصمة اقتصاديًا".