logo
العالم

اختراق داخلي.. كيف تعيد التطبيقات رسم "خرائط الخطر" في روسيا؟

اختراق داخلي.. كيف تعيد التطبيقات رسم "خرائط الخطر" في روسيا؟
جسر منطقة بريانسكالمصدر: رويترز
12 يونيو 2025، 5:06 م

في وقت تحولت فيه الهواتف الذكية إلى ساحات معارك خفية، لم تعد حماية الدول من التهديدات الأمنية عبر الحدود الجغرافية كافية. وبينما تنشغل الجيوش بحماية أجواء وحدود الدول، هناك من يعيد رسم خرائط الخطر من داخل غرف مغلقة، عبر شاشات صغيرة لا يتعدى حجمها كف اليد. 

هذه ليست مشاهد من فيلم درامي، بل هي تفاصيل واقعية تقلق الأمن الفيدرالي الروسي، الذي وجه اتهامات مباشرة لاستخبارات كييف باستخدام تطبيقات المراسلة لتفجير العمق الروسي من الداخل.

وفي بيان رسمي، حذر الأمن الفيدرالي الروسي من تصاعد وتيرة استخدام تطبيقات مثل "تليغرام" و"واتساب" من قِبل الاستخبارات الأوكرانية، والتي باتت تسخدم بصورة ممنهجة لتجنيد مواطنين روس، ودفعهم للمشاركة في عمليات تخريبية واستخباراتية داخل الأراضي الروسية. 

وأكدت هيئة الاستخبارات الروسية أن هذه الأدوات الرقمية لم تعد مجرد وسيلة تواصل، بل تحولت إلى بنية تحتية خفية تعمل عبرها كييف لزعزعة الاستقرار.

وأشار البيان إلى أن الأمن الفيدرالي الروسي تمكن في أكثر من مناسبة سابقة من إحباط عمليات إرهابية كان من المخطط تنفيذها داخل روسيا، بعد تتبع خيوط التواصل التي انطلقت من تطبيقات المراسلة، وعلى رأسها "تليغرام"، الذي بات يستخدم بكثافة في عمليات التجنيد والتنسيق.

ورغم الرقابة المشددة، تبدو المعركة معقدة، فالتهديد لا يأتي من الخارج، بل من داخل الشبكات والهواتف، حيث يعاد رسم خريطة الخطر الروسية عبر تطبيقات تبدو في ظاهرها بريئة، لكنها باتت أحد أبرز أسلحة الحرب الهجينة في القرن الحادي والعشرين.

وأكد خبراء أن تطبيقات المراسلة مثل "تليغرام" و"واتساب"، أصبحت أدوات رئيسة بيد الاستخبارات الأوكرانية لتجنيد عملاء داخل روسيا، خاصة مع صعوبة مراقبتها مقارنة بشبكات الإنترنت التقليدية. 

وأشار الخبراء، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إلى أن "تليغرام" يعد التطبيق المفضل للجماعات الإرهابية نظرًا لسياسة مؤسسه الرافضة للتعاون مع الحكومات، ما يجعل منه بيئة خصبة للأنشطة المشبوهة.

وأوضح الخبراء أنه رغم تشديد الرقابة، لا تزال التحديات قائمة بسبب التشفير العالي في هذه التطبيقات، ما يجبر أجهزة الأمن على الاعتماد على الوسائل الاستخباراتية التقليدية. 

أخبار ذات علاقة

جسر للسكك الحديدية بعد انهياره في بريانسك

عبوات ناسفة وتفجير قطارات.. كيف تحول العمق الروسي إلى ساحة هجمات مفتوحة؟

وسيلة للضغط

وبهذا السياق، قال مدير مركز "جي إس إم" للدراسات، د. آصف ملحم، إن هناك معلومات مؤكدة بشأن عملية شبكة العنكبوت الأوكرانية التي استهدفت المطارات الروسية التي تضم قاذفات استراتيجية، مشيرًا إلى أن طائرات مسيرة استخدمت للوصول إلى داخل روسيا عبر كازاخستان، وتم تجميعها في أحد المستودعات.

وأكد ملحم، لـ"إرم نيوز"، أن الجانب الأوكراني يستخدم الأسرى الروس المحتجزين لديه وسيلة للضغط على ذويهم، عبر تصوير مقاطع لهم في أوضاع سيئة، ثم إرسال هذه المقاطع إلى أسرهم، مع تقديم وعود بتحريرهم مقابل تنفيذ أعمال تخريبية داخل روسيا.

وأضاف أن إحدى الوسائل الرئيسة لتجنيد العملاء داخل روسيا تتم عبر تطبيقي "تليغرام" و"واتساب"، بسبب صعوبة مراقبتهما مقارنة بالإنترنت الأوكراني الذي تراقبه روسيا بشكل دقيق، مشيرًا إلى أن إبقاء هذه التطبيقات مفتوحة حولها إلى أدوات رئيسة في تجنيد العناصر.

وأشار إلى أن جميع الطائرات المسيّرة التي تُطلق باتجاه موسكو تأتي من داخل روسيا عبر عملاء مجندين بهذه الوسائل.

وأشار ملحم إلى أن الأمن المعلوماتي يمثل أحد الملفات الشائكة التي يطرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستمرار، حيث يؤكد أهمية إنشاء شبكة إنترنت روسية مستقلة عن الشبكة العالمية، خصوصًا أن أغلب خوادم الإنترنت تتركز في دول الناتو.

ولفت إلى أن روسيا تسعى منذ فترة طويلة إلى تعزيز أمنها السيبراني وفصل الإنترنت المحلي عن الشبكات الغربية، مؤكدًا أن هذا الملف كان محورًا أساسيًا في زيارة الرئيس بوتين إلى الصين عام 2023، لما تملكه بكين من خبرات في حماية شبكتها الداخلية.

ونبه ملحم على أن مجلس الدوما أقر قانونًا جديدًا لإنشاء ما يُعرف بالمراسل الوطني ليكون بديلًا عن تطبيقي "تليغرام" و"واتساب"، مضيفًا أن التطبيق الجديد يحمل اسم "MAX"، وتقوم بتطويره شركة "فيكا"، التي تُشغّل أيضًا موقع تواصل شبيه بـ"فيسبوك".

وأوضح أن الهدف من مشروع "MAX"، هو تأمين بدائل محلية تتيح التواصل بين المواطنين في حال حظر "تليغرام" و"واتساب" داخل روسيا.

وأشار إلى أن التطبيق الجديد يشبه إلى حد كبير نظيره الصيني "WeChat"، إذ تسعى روسيا إلى الاستفادة من التجربة الصينية في هذا المجال لتعزيز أمنها المعلوماتي والحد من الاختراقات.

وشدد ملحم على أن الهجمات بالطائرات المسيرة التي تُسجل داخل روسيا لا تنطلق دومًا من أوكرانيا، بل كثيرًا ما تكون من داخل الأراضي الروسية، عبر عناصر تم تجنيدهم بعد دخولهم من أوكرانيا.

واعتبر أن الحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا تحمل سمات الحرب الأهلية، في ظل وجود أوكرانيين مقيمين في روسيا، لكن ولاءهم ما زال لأوكرانيا.

وأكد أن هذه التحركات تندرج ضمن مفهوم الأمن الوطني، مشيرًا إلى أنه مع إطلاق تطبيق "MAX"، سيتم حظر "تليغرام" و"واتساب" داخل روسيا.

أخبار ذات علاقة

آثار هجوم روسي سابق على ميناء أوديسا البحري

أوديسا في مرمى موسكو.. "ضم استراتيجي" يعيد تشكيل خريطة الحرب

 صعوبة أمنية

ومن جانبه، قال الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، رامي القليوبي، إن تطبيق "تليغرام" يعرف بأنه التطبيق المفضل لدى الإرهابيين، مشيرًا إلى أن هجمات مترو سانت بيترسبورغ عام 2017 كشفت عن استخدام منفذيها لهذا التطبيق في التنسيق، بسبب سياسة مؤسسه الرافضة للتعاون مع الجهات الرقابية.

وأضاف القليوبي، لـ"إرم نيوز"، أن التطبيق رغم تلك السياسة، شهد حالات تعاون جزئية، أبرزها حجب قنوات المعارضة الروسية، ما يعكس - حسب وصفه - ازدواجية في المعايير.

وأوضح أن "تليغرام"، بوجه عام، يعد تطبيقًا آمنًا من حيث التشفير، وهو ما يستفيد منه المستخدمون العاديون، كون مراسلاتهم تتعلق بشؤون شخصية لا تهم الأمن، في حين يستغل الإرهابيون هذا التشفير لتنفيذ عملياتهم والتواصل فيما بينهم.

وأشار القليوبي إلى أن "واتساب" أيضًا يتمتع بدرجة عالية من الأمان، لكنه لا يلاحق بدرجة الاتهامات المتعلقة بالإرهاب نفسها كما هو الحال مع "تليغرام".

وأكد أن الأجهزة الأمنية تواجه صعوبة في التعامل مع هذين التطبيقين بسبب قوة التشفير، موضحًا أن الوسيلة الفعّالة الوحيدة أمام الأجهزة الأمنية تكمن في العمل الاستخباراتي التقليدي، مثل إجبار المشتبه بهم عند القبض عليهم على فتح حساباتهم وكشف محتوى المراسلات.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC