تقف صناعة الدفاع الأوكرانية على أعتاب قفزة تاريخية؛ فالمصانع قادرة على مضاعفة إنتاجها ثلاث مرات بين ليلة وضحاها؛ حيث إن التكنولوجيا حاضرة، والأيدي العاملة مُدربة، وخطوط الإنتاج جاهزة.. لكن المفتاح المفقود هو المال والعقود الأوروبية.
وقال أوليكساندر كاميشين، وزير الدفاع الأوكراني السابق والمستشار الاستراتيجي للرئيس فولوديمير زيلينسكي، في مقابلة مع "يوروميدان برس": "من المؤلم أن تمتلك القدرة، وأن ترى أن ما يمكننا إنتاجه مطلوب على الجبهة بشكل عاجل، لكننا نفتقر إلى التمويل لتنفيذه".
ويقود "كاميشين" اليوم، الذي رفع إنتاج السلاح ستة أضعاف خلال ولايته، مبادرة "حرية التصنيع"، حيث تُموَّل عقود أوروبية مباشرة لإنتاج الأسلحة في أوكرانيا.
وكانت الدنمارك أول من فتح الطريق بـ18 مدفعية "بوهدانا" سُلّمت خلال شهرين فقط، بكفاءة وصفها كاميشين بأنها "لا تُضاهى عالميًا".
وأشار "كاميشين" إلى أن "الأمر يعتمد على القيادة، وسأظل ممتنًا لرئيسة الوزراء الدنماركية ميت فريدريكسن لكونها أول من آمن ونفذ الفكرة، قبل أن تحذو دول أخرى حذوها".
مع تراجع الدعم الأمريكي المباشر، غيرت أوروبا تكتيكاتها: من تصريف مخزون السلاح المتناقص إلى الاستثمار في بناء قاعدة صناعية أوكرانية.
ولم تعد الخطة التي وُضعت عام 2023 على الورق، بل تسارعت بخطى سريعة، كما يتباهى زيلينسكي اليوم بأن أوكرانيا تؤمّن نصف احتياجاتها العسكرية محليًا، متقدمة حتى على روسيا في مجال الطائرات المسيّرة.
أما التطور الأبرز، فهو بدء الإنتاج التسلسلي لصاروخ "فلامنجو" كروز، القادر على إصابة أهداف عميقة داخل الأراضي الروسية.
ورغم القفزات في التصنيع العسكري، تبقى الثغرة الأهم أسراب الطائرات المسيّرة؛ فكما أوضح "كاميشين" في منتدى GLOBSEC، أن دمج الذكاء الاصطناعي في المسيّرات بات حقيقة، لكن ما ينقص أوكرانيا هو القدرة على إطلاق أسراب متكاملة، قادرة على قلب موازين المعركة على الخطوط الأمامية.
وتعكس النجاحات الأخيرة لكييف عمق التحول؛ فعملية "سبايدرويب" في يونيو 2025 أسفرت عن تدمير أو تعطيل أكثر من 40 قاذفة استراتيجية روسية.
وقال "كاميشين": "هذه كانت أفضل عملية لتعزيز الأمن الأوروبي، وطائرات مسيرة لا يتجاوز ثمن الواحدة 3000 دولار دمّرت قاذفات قيمتها 250 مليون دولار"، مضيفًا: "إذا استطاعت مسيرة FPV أن تضرب هدفًا على بُعد 2000 كيلومتر، فنحن راضون تمامًا".
ودحض "كاميشين" مزاعم تفوق موسكو في المسيّرات بعيدة المدى، قائلاً: "هذه خرافة، ونحن ننتجها بكميات كبيرة ونستهدف بها مواقع عسكرية تُرعب المدن الروسية"؛ ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن أوكرانيا وحدها لن تحسم المعركة.
ورغم الإنجازات، وجّه "كاميشين" تحذيراً قائلاً: "روسيا لا تقاتل بمفردها، فهي تتلقى دعماً من كوريا الشمالية والصين وإيران؛ بينما أوكرانيا وحدها، وحتى مع أوروبا فقط، لن تكون كافية، فعلى العالم الحر -وفي طليعته الولايات المتحدة- أن يقف في وجه هذا الخطر" وفق تعبيره.
وقال مصنّعو المسيّرات في أوكرانيا إن الطلب المحلي بلغ ملياري دولار، لكنهم قادرون على إنتاج ما بين 10 إلى 20 مليار دولار سنويًا إذا رُفعت قيود التصدير.
بدوره، وضع زيلينسكي على طاولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صفقة بـ50 مليار دولار لتوريد المسيّرات مقابل أسلحة.
واختتم "كاميشين" مؤكداً: "علينا امتلاك أسلحة ردع استراتيجية، بكميات كافية وبجودة عالية، مهما طال أمد الحرب، فأوكرانيا لم تعد مجرد متلقٍّ للمساعدات، بل أصبحت شريكاً استراتيجياً؛ وما نحتاجه الآن هو أن تتحول الوعود السياسية الأوروبية إلى عقود ملموسة".