في ظل سعيه المحموم، للحصول على جائزة نوبل للسلام، يواصل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عقد الصفقات لإنهاء الحروب في أنحاء مختلفة من العالم وتبريد بؤرة التوتر الدولي.
إلا أن مجلة "فورين بوليسي" ترى أن كوريا الشمالية، تكاد تكون الدولة الوحيدة التي يعجز ترامب عن إخضاعها، رغم إعلانه أكثر من مرة أنه سيتواصل مع زعيم بيونغ يانغ، كيم جونغ أون.
وتحدثت تقارير مؤخرًا عن ترجيح أن يسعى ترامب لعقد اتفاقية سلام بين سيؤول وبيونغ يانغ، وهو ما تعززّ بلفتات تصالحية أرسلها الرئيس الكوري الجنوبي المنتخب حديثًا، لي جاي ميونغ، نحو الجارة الشمالية.
ما أثار موجةً من المقترحات السياسية المتفائلة من قِبَل مراقبي الشؤون الآسيوية بشأن اتفاقيات السلام بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وبين الكوريتين.
وبعد تلميحات متكررة من ترامب بأنه على استعداد للقاء كيم جونغ أون، جاء الردّ فاترًا ومشروطًا من بيونغ يانغ، حيث قالت كيم يو جونغ، شقيقة زعيم كوريا الشمالية، إن بلادها ترحّب بالحوار مع واشنطن "إذا تخلّت الولايات المتحدة عن مطلبها بنزع السلاح النووي".
كما أكدت كيم يو جونغ على ثبات الوضع النووي لبيونغ يانغ، مشيرة إلى أن "قدراتها وبيئتها الجيوسياسية قد تغيرت جذريًا"، وهو تصريح جاء بعد يوم واحد فقط من إغلاق بيونغ يانغ الباب تمامًا أمام تواصل كوريا الجنوبية، وبالتالي قطع الطريق أمام "صفقة" لترامب.
وترى "فورين بوليسي" أن شبه الجزيرة الكورية أصبحت مكانًا أكثر خطورة بكثير منذ فشل قمة ترامب-كيم في هانوي عام 2019، بعد انهيار المحادثات، وإدراكها لما اعتبرته تراجعًا في النفوذ العالمي للولايات المتحدة، أعادت كوريا الشمالية تقييم سياستها الخارجية بشكل جذري.
وشملت تحولات بيونغ يانغ تراجع اهتمامها المستمر منذ ثلاثة عقود بتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، والتحالف مع بكين وموسكو، اللتين أصبحتا الآن جزءًا مما أسماه بعضهم "محور الاضطرابات".
ومع موسكو تحديدًا، وصلت العلاقات إلى آفاق جديدة لبيونغ يانغ، تتجلى في معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة الجديدة، وإمدادات كيم جونغ أون من الذخيرة والقوات والعمال إلى روسيا، وفي غضون ذلك، شهدت برامج كوريا الشمالية الصاروخية والنووية تقدمًا ملحوظًا.
ومدفوعًا بهذه الحقائق الجديدة، ومرتاحًا للدعم الاقتصادي الجديد والتكنولوجيا العسكرية التي تقدّمها موسكو، شرع زعيم كوريا الشمالية في تبنّي عقيدة جديدة تسمح بشن ضربات نووية استباقية، إضافة إلى تدوين الوضع النووي للبلاد في الدستور.
وتتساءل المجلة عن ما هي التنازلات التي قد يكون كيم مستعدًا لتقديمها، والتي تستحق الثمن الذي ستدفعه الولايات المتحدة، ولطالما اعتبرت كوريا الشمالية مصير العراق وليبيا مثالين على عدم الثقة بواشنطن، كما أن القصف الأخير على إيران عزز قناعة بيونغ يانغ بعدم التخلي عن الأسلحة النووية مقابل أي ضمانات.
وتضيف "فورين بوليسي" إن "كيم ليس مهتمًا بأبراج ترامب أو ماكدونالدز في بيونغ يانغ"، مشيرة إلى أن هذه الأمور الرفاهية "لا تستحق أي ثمن حقيقي" بالنسبة لزعيم كوريا الشمالية.
وفي المقابل، فإن التحالف مع موسكو يدرّ فوائد كبيرة على بيونغ يانغ، إذ إن اختراق حوالي 6 مليارات دولار من العملات المشفرة، والتراخي في تطبيق عقوبات الأمم المتحدة، جعلا كيم "مغرورًا وأقل اهتمامًا برفع عقوبات الأمم المتحدة، وفق "فورين بوليسي".
ويخشى بعضهم من أن ترامب، في سعيه للفوز بجائزة نوبل، قد يوقع اتفاقًا معيبًا مع كيم، إذ تتراوح المقترحات بين مبادرات طموحة تُحدث تغييرًا جذريًا، وتدابير متواضعة أو رمزية في بيئة دبلوماسية بالغة الصعوبة.
لكن كيم من موقعه الجديد، قد يكون مستعدًا للانخراط في حوار استكشافي، بينما إيجاد عرض مقبول لدى واشنطن أو سيول أمر مختلف تمامًا، فيما يُدرك العديد من المحللين أن الوضع على الأرض قد تغير، لكنهم يُقللون من شأن تأثير ذلك على الدبلوماسية.