لا يستبعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب احتمال مواجهة إغلاق حكومي في حال عدم توصل مجلس النواب إلى اتفاق بشأن مقترح تشريعي يدعم إنفاقاً حكومياً مؤقتاً إلى غاية شهر سبتمبر من العام الحالي وذلك في حالة عدم تصويت جميع النواب الجمهوريين عليه ودعمه من قبل النواب الديمقراطيين يوم الثلاثاء.
خطر الإغلاق الحكومي إن حدث سيكون خبراً سيئاً بالنسبة لإدارة ترامب وهي تخوض تحدي المائة يوم الأولى من عمرها، كما يظهر لقواعد الحزب الجمهوري حالة الانقسام الداخلية، وغياب الاتفاق بين مشرعي الحزب على دعم أجندة ترامب، بالإضافة إلى هشاشة الأغلبية التي يتمتع بها الجمهوريون أمام الديمقراطيين في المجلس.
وتواجه إدراة ترامب مخاوف من أن يزيد الإغلاق من تعقيد موقف النواب المحافظين في الحزب الجمهوري الذين سبق لهم أن صوّتوا ضد جميع مشاريع الأنفاق المؤقتة التي كانت تعرض للمصادقة من قبل الإدارة السابقة، وبعضها انتهى في وقت سابق إلى أزمات داخل المجموعة الجمهورية سواء منها تلك التي انتهت بإقالة رئيس المجلس الجمهوري السابق كيفن مكارثي أو التي أدت إلى مطالب نواب الجناح المحافظ من الجمهوريين إلى سحب الثقة من رئيس مجلس النواب الحالي مايك جونسون.
جونسون سيجد نفسه بعد تلك المعركة، مرة ثانية، في مواجهة مفتوحة مع زملائه المحافظين الذين يعترضون على أوجه الإنفاق الحكومي بصورته الحالية، وهم لا يرون في المشروع الجديد اي اختلاف عن المشاريع السابقة التي كانت تعرض عليهم، ومن هناك فإنهم لا يرون محفزاً للتغيير من مواقفهم.
الرئيس ترامب وفي تدوينة له على منصته للتواصل "تروث سوشيال" دعا جميع النواب المحافظين للتصويت على المقترح المالي المؤقت، الثلاثاء، مشدداً على دعوته للنواب والأمريكيين من ورائهم للصبر على إدارته قليلاً لأن الأخبار الجيدة قادمة في الطريق.
لايتوقف ترامب عن استخدام هذه الدعوة الترغيبية عندما يحاول أن التسويق سياسات إدارته المالية الحالية لترشيد الإنفاق الحكومي التي تخوضها وزارة إيلون ماسك لتطوير أداء الحكومة الفيدرالية والتي تثير تحفظات بين الجمهوريين وعامة الأمريكيين، بالإضافة إلى العائدات المتوقعة من الإجراءات الجمركية التي يسعى ترامب إلى فرضها مع المتعاملين الاقتصاديين الكبار للولايات المتحدة سواء الجيران في كندا والمكسيك أو الشركاء الأوروبيين فيما وراء الأطلسي أو ضد المنافسين العالميين كما هو الحال مع الصين.
ترامب عندما كان يتحدث في نهاية الأسبوع إلى شبكة مراسلي الأبيض قال إن أياماً صعبة قادمة حتماً، لكن على الأمريكيين أن ينظروا إلى الأفق البعيد حتى يتوقع أن تنجح وزارة ماسك في توفير مليارات الدولارات من خلال عملية مراجعة الإنفاق الحكومي، وكذلك نجاح إدارته في استعادة مليارات أخرى من عملية فرض الرسوم الجمركية على الشركاء الاقتصاديين وحينها يقول ترامب ستجد حكمته صعوبة في إنفاق ما تجمع بين يديها من أموال.
هذا الخوف الممزوج بالآمال الكبيرة على خطة يراها المعارضون الديمقراطيون الآن أنها تعرّض حياة الأمريكيين للمزيد من صور المتاعب الاقتصادية التي يعانون منها، خاصة على جبهة مواجهة مستويات التضخم التي كانت واحدة من أكبر التهم التي واجهتها الإدارة الديمقراطية السابقة، وأحد العوامل الكبيرة لإعادة انتخاب الرئيس ترامب لولاية ثانية.
معارضة الديمقراطيين لمسعى ترامب في صورتيه الداخلية والخارجية تجعل من الصعوبة بمكان تصور موافقة نوابهم على المقترح المالي المقدم كحل مؤقت للانتقاق الحكمي في الكونغرس، بدءاً من تاريخ الرابع عشر من الشهر الحالي إلى غاية شهر سبتمبر/ أيلول المقبل.
يعتقد الديمقراطيون أن إجراءات وزارة ماسك في الداخل تضعف الحكومة الفيدرالية بإفراغها من الكفاءات الوطنية التي تدير شؤونها، كما أنها تعرّض الأمن القومي للبلاد إلى الهشاشة بالنظر إلى الطريقة التي يدير بها فريق ماسك إجراءاته، وأما في الخارج فإن الأسئلة كثيرة بين الديمقراطيين نواباً وشيوخاً عن جدوى الدخول في صدامات علنية مفتوحة تجارياً واقتصادياً مع أقرب الحلفاء الإستراتيجيين للولايات المتحدة حول الرسوم الجمركية.
لذلك يدعو الديمقراطيون إدارة ترامب إلى مراجعة هذا المسعى، ومن هناك يمكن البحث عن توافق في الكونغرس بشأن الإنفاق الحكومي في المرحلة المقبلة.
شبح الإغلاق الحكومي، إن حدث نهاية الأسبوع، سيكون مختلفاً في ظروفه هذه المرة عن المرات السابقة، ليس بسبب وجود إدارة جديدة في البيت الأبيض في فترة المئة يوم الأولى من عمرها فقط، ولكن بسبب الأزمات التي تحيط بالحكومة الفيدرالية داخل وكالاتها ووزاتها، والجدل القائم حول إجراءات الترشيد التي يخوضها إيلون ماسك، والتي تحولت، في الأيام القليلة الماضية، إلى أزمة داخلية بين أعضاء إدارة ترامب أنفسهم وبعد ذلك الصدام الوزاري الذي حدث بين وزير الخارجية ماركو روبيو، ورجل الأعمال ماسك، حول تسريح المزيد من موظفي وزارة الخارجية الذي يعترض عليه روبيو ويراه ماسك مسألة إجرائية ضرورية.
هذه التطورات المحيطة بالحكومة الفيدرالية في المرحلة الحالية يراها قادة ديمقراطيون تحدثوا لـ"إرم نيوز" بأنها ستضيف وضعاً معقداً للارتباك الحالي لأداء مختلف أجنحة وأجهزة الحكومة في الوقت الحاضر.
هناك حالة من الغموض والضبابية ترتبط بمدى الصلاحيات التي يجب لفريق ماسك، وحقه في الحصول على معلومات وظيفية تصنف في الخانة السرية، وهي مقتصرة على سلم إداري ووظيفي يحكم علاقات الأطراف المعنية بها، وتلك الصلاحيات المتعارف عليها، والمعمول بها في الحكومة منذ عقود كاملة، إضافة إلى حالة الارتباك الموازية التي ترتبط بتسريح موظفين، وتجميد تلك القرارات من قبل قضاة فيدرالية، واستئنافها من قبل إدارة ترامب، واضطرار هذه الأخيرة إلى إعادة توظيف موظفين فيدراليين نتيجة سوء تقدير من قبل فريق ماسك، كما حدث مع موظفي معهد الطاقة النووية.
هذا الارتباك سيجعل من صورة الإغلاق الحكومي، في حال حدوثه، مربكاً ومثيراً للقلق هذه المرة، كما أنه يضيف المزيد من الارتباك إلى عمال الأجهزة الفيدرالية.
خاصة أن الذهاب إلى إغلاق حكومي سيجعل من مسألة التوصل إلى اتفاق يعيد الحكومة الفيدرالية إلى العمل مجدداً مرهوناً بالمسار التفاوضي بين الرئيس ترامب وقيادة نواب الكونغرس من الحزبين، خاصة منهم الديمقراطيين.
يقول قادة ديمقراطيون بارزون لـ"إرم نيوز" إن أزمة الانفاق الحكومي ستكون المواجهة الأولى من نوعها بين الحزب وإدارة ترامب منذ وصول الأخيرة إلى البيت الأبيض، ولذلك يقول هؤلاء إن قيادة الحزب مطالبة بأن تظهر للأمريكيين قدرتها على التفاوض باسمهم، وأن تكون الصوت المتحدث باسم ملايين الموظفين المهدّدين في وظائفهم، وملايين الأمريكيين المستهدفين من خلال إجراءات ماسك فيما يتعلق باستفادتهم من خدمات ومساعدات الحكومة الفيدرالية.
لا يزال أمام النواب الديمقراطيين والجمهوريين من جانب، وإدارة الرئيس ترامب من الجانب الآخر وقت جيد ومناسب، يقول القادة الديمقراطيون، للتوصل إلى تسويات تضمن تمرير المشروع المقترح للمصادقة عليه في جلسة التصويت، الثلاثاء، وحتى بعد ذلك، وإذا وجدت فجوات للتفاوض بشأنها سيكون هناك وقت إضافي آخر متاح، إلى غاية منتصف ليلة الأربعاء، لتجنب إغلاق حكومي لايرغب فيه الجانبان من حيث المبدأ، ولكن باختلاف جوهري كبير عندما يتعلق الأمر بتفاصيله، وكذلك استخدامه السياسي أمام الناخبين الأمريكيين.