يواجه الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، مارك روته، تحديًا كبيرًا في قمة لاهاي، في ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
وسعى روته، منذ تسلّم المنصب، إلى تحقيق توازن دقيق بين الضغوط الأمريكية المتزايدة، التي تُعيد إلى الأذهان نهج إدارة ترامب، وبين مخاوف الأوروبيين الرافضين للانصياع الكامل لتلك الإملاءات.
وتُعد القمة اختبارًا حاسمًا لقدرته على الحفاظ على وحدة الصف داخل الحلف، وسط انقسامات جيوسياسية متزايدة.
وأوضح تقرير نشرته صحيفة "لو موند" الفرنسية أن روتة، الذي تولّى منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2024، جرى تعيينه بناءً على تفاهم واسع بين إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جو بايدن وحكومات الدول الأعضاء، تحسّبًا لعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وأشار التقرير إلى أن ترامب وصل بالفعل إلى لاهاي، حيث سيكون حاضرًا في القمة، ما يضع روتة أمام أول اختبار حقيقي لقيادته.
وتشير مصادر دبلوماسية في بروكسل إلى أن روته، رغم بعض التعثرات المبكرة، يحظى بقبول واسع داخل أروقة الحلف، إذ يتمتع بأسلوب سياسي هادئ ومتوازن، اكتسبه من سنوات طويلة قضاها في رئاسة الحكومة الهولندية، حيث قاد البلاد لمدة 14 عامًا.
ويُنظر إلى روته على أنه سياسي براغماتي، قادر على الاستماع والتفاوض، ويميل إلى تحقيق التوافقات دون صدامات مباشرة، وهو ما يُعد تغييرًا ملحوظًا مقارنةً بسلفه النرويجي ينس ستولتنبرغ.
مع ذلك، لم يكن أداء روته خاليًا من الانتقادات؛ ففي مارس/آذار الماضي، وأثناء زيارته للبيت الأبيض، رفض التورّط في مسألة "ضم غرينلاند" التي أعاد ترامب طرحها، مكتفيًا بالقول: "لا أريد أن أزجّ بالناتو في ذلك".
وقد أثار هذا التصريح امتعاض كوبنهاغن وعدد من العواصم الأوروبية، التي اعتبرته تراجعًا عن مبدأ التضامن بين الحلفاء.
ورغم هذه الزلة، تمكن روتة من استعادة الثقة عبر تعزيز التعاون بين الناتو والاتحاد الأوروبي، وهو ما لقي ترحيبًا واسعًا داخل بروكسل.
كما نجح في تبني خطاب حازم بشأن زيادة الإنفاق الدفاعي، داعيًا إلى تخصيص 5% من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع، موزعة على 3.5% للجيوش و1.5% لمجالات أمنية داعمة.
ورغم تشكيك العديد من العواصم الأوروبية في إمكانية تنفيذ هذه النسبة، استطاع روتة، بأسلوب تفاوضي مرن، انتزاع موافقة إسبانيا قبيل القمة.
وفي سعيه لتجنّب تكرار سيناريو قمة بروكسل الفوضوية عام 2018، التي انسحب منها ترامب بعد ساعات، اعتمد روتة هذا العام نموذجًا أكثر تحفظًا، مستلهمًا أجواء قمة لندن عام 2019.
فبعد استقبال رسمي مساء الثلاثاء، يُعقد اجتماع عمل مختصر صباح الأربعاء، لتفادي أية احتكاكات مطوّلة.
ورغم اعتراض واشنطن، أصرّ روته على دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لحضور مأدبة العشاء الرسمية، في حين تم استبعاده من الجلسة الرئيسية تفاديًا لإحراج ترامب.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تُظهر قدرة روتة على تحقيق توازن دقيق بين مواقف متعارضة، دون المساس بالثوابت.
وفي ظل تصاعد الدعوات الأوروبية لضبط إيقاع العلاقة مع الولايات المتحدة، قال أحد الدبلوماسيين داخل الناتو: "الهدف الأساسي لمارك روته هو إبقاء الأمريكيين داخل الحلف، وقد منحته الدول الأوروبية مساحة واسعة لتحقيق ذلك"، مضيفًا: "حتى الآن، يُثبت أنه الخيار المناسب في هذا التوقيت الحرج".