تشهد عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، مفترق طرق بعد مرور أكثر من عام على انطلاقها، وسط تمسك طرفيها بمواقف متعارضة حول مطالب ونقاط حساسة، بينها مصير زعيم الحزب المسجون عبدالله أوجلان.
ويسود اعتقاد في الأوساط السياسية والإعلامية التركية، بأن إفراجاً مرتقباً عن صلاح الدين دميرتاش، قد يكون حلاً بديلاً في الفترة الحالية، حيث يحظى السياسي الكردي بشعبية ومكانة لدى أكراد تركيا، وحزب العمال الكردستاني.
ويطالب حزب العمال الكردستاني، أنقرة، بخطوة مقابلة لمبادرته الأخيرة عندما أعلن، أواخر الشهر الماضي، عن سحب مقاتليه من الأراضي التركية بعد أكثر من 4 عقود على الصراع المسلح.
وتركزت مطالب الحزب في إطلاق سراح زعيمه المسجون منذ 26 عاماً، أو تخفيف شروط سجنه على الأقل، بحيث يتاح له لقاء الصحفيين والمسؤولين عن عملية السلام، بجانب إقرار تشريعات تحدد مصير قادة ومقاتلي الحزب ومن منهم يستطيع العودة لتركيا.
وعلى الجانب الآخر، يسود التردد والغموض في الموقف الحكومي، بينما يظهر الانقسام واضحاً بين الأحزاب السياسية حول تلك المطالب، مع تأييد حزب الحركة القومية لذهاب لجنة برلمانية إلى سجن أوجلان ولقائه هناك مقابل صمت من الحزب الحاكم واعتراض أحزاب أخرى.
حل وسط
ظل طلب الإفراج عن دميرتاش، حاضراً، طوال الأشهر الماضية، بوصف إطلاق سراحه خطوة تعزز ثقة الطرف الكردي في عملية السلام، وفق ما يقوله مسؤولو حزب "الديمقراطية والمساواة للشعوب" الذي يقود جهود الوساطة بين أنقرة وأوجلان.
وعاد ذلك الطلب، خلال اليومين الماضيين، من جديد، حيث دعا الحزب الذي يمثل كثيراً من أكراد تركيا في البرلمان، إلى إحراز تقدم في عملية السلام عبر إطلاق سراح دميرتاش، وزيارة لجنة السلام البرلمانية لأوجلان في سجنه، والاستماع لآرائه حول عملية السلام.
وقالت المتحدثة باسم الحزب، عائشة غول دوغان، إنه "من المستحيل إحراز أي تقدم بهذا النهج الانتقامي"، في إشارة لعدم إطلاق سراح ديميرتاش الذي قالت إن بقائه مسجوناً هو بتوجيهات سياسية.
وأضافت دوغان في مؤتمر صحفي عقدته داخل مقر الحزب، لتقييم عملية السلام: "نتوقع أن تقرر اللجنة (لجنة السلام تضم ممثلين عن الأحزاب التركية في البرلمان) زيارة إمرالي (الجزيرة التركية التي يقع فيها سجن أوجلان) الأسبوع المقبل. عدم الذهاب يعني تفويت هذه الفرصة التاريخية".
شعبية دميرتاش
وأدانت محكمة تركية، دميرتاش، العام 2018، بتهمة "الدعاية الإرهابية" وقضت بسجنه 4 أعوام و 8 أشهر، فيما قضت محكمة أخرى، العام 2024، بسجنه 42 عاماً، على خلفية دوره المزعوم في احتجاجات عنيفة خلفت قتلى في 2014.
وعند اعتقاله العام 2016، كان ديميرتاش يشغل منصب الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، المنحل حالياً، والذي حصل على 13% من الأصوات في انتخابات العام 2015، وصار أول حزب كردي يدخل البرلمان في تاريخ تركيا.
لكن السلطات أوقفت دميرتاش في العام التالي مع مسؤولين نواب في الحزب بتهمة التعاون مع حزب العمال الكردستاني، والذي تصنفه أنقرة "إرهابياً" بينما تستهدف عملية السلام الجارية حله وإلقاء مقاتليه للسلاح، ومن ثم إقرار تشريعات وحتى دستور جديد يتيح الانخراط في الحياة السياسية والاندماج في المجتمع.
خطوة ممكنة
يمثل الإفراج عن دميرتاش، خطوة ممكنة من الناحية القانونية بعد أن رفضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قبل أيام، اعتراض وزارة العدل التركية على قرارها الذي يعتبر سجن ديميرتاش انتهاكاً لحقوقه القانونية، ويستند إلى مبررات سياسية، في انتهاك للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي وُقعت عليها أنقرة.
وهذا ثالث قرار من نوعه للمحكمة الأوروبية بعد 2018 و2020، ومن شأن رفض الاعتراض التركي، أن يكون إطلاق سراح ديميرتاش ممكناً من الناحية القانونية، وسط مؤشرات كثيرة على قرب تنفيذه.
وقُوبل قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بردٍ فعل مؤيد من زعيم حزب الحركة القومية التركي، دولت بهتشلي، عندما دعا لإطلاق سراح ديميرتاش، وأبدى استعدادَ حزبه الذي يمثل حزبه التيار القومي اليميني في تركيا، للمشاركة في وفد يقابل أوجلان بهدف دعم عملية السلام.
ويسود الترقب لقرب إطلاق سراح دميرتاش، والذي يتوقعه كثير من السياسيين الأتراك، وبينهم رئيس البرلمان التركي السابق، بولينت أرينتش، والذي قال إنه يتوقع الإفراج عن ديميرتاش في غضون أيام.