الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
تواجه تركيا ضغوطاً سياسية كردية لاتخاذ خطوات تسهم في استمرار عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني الذي قدّم مبادرة جديدة عندما أعلن عن سحب مقاتليه من الأراضي التركية في خطوة تاريخية.
وكشفت مصادر كردية، أن خطوة الحزب الكردي الذي يخوض صراعاً مسلحاً منذ أكثر من 40 عاماً، جاءت بهدف دفع عملية السلام التي واجهت تعثراً، خلال الأسابيع الماضية، بعدما رفض الجانب التركي لقاءً مباشراً مع زعيم الحزب المسجون، عبدالله أوجلان.
ووضعت تلك المبادرة الكردية، أنقرة في موقف الرد الذي عبر عنه حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، عندما طالب الحكومة بالإقدام على مجموعة خطوات مقابلة لاستمرار عملية السلام التي انطلقت قبل عام ولم تنتهِ بعد رغم توقف إطلاق النار بين الجانبين خلالها.
وكشفت منصة "ميديا سكوب" الإخبارية التركية، أن عبدالله أوجلان هو من يقف خلف خطوة سحب مقاتلي حزبه من الأراضي التركية، والتي تم الإعلان عنها، يوم الأحد الماضي، بشكل رسمي قرب معقل الحزب العسكري في جبل قنديل في إقليم كردستان العراق.
وأوضحت المنصة التي يديرها الصحفي التركي، روشين شاكر، أن مسؤولين حكوميين وأوجلان ناقشوا إمكانية التغلب على المرحلة الحالية من عملية السلام، والتي تواجه الكثير من التصريحات السياسية المناهضة.
وأضافت أن أنقرة طلبت أن تسلم مجموعة المقاتلين التي ألقت سلاحها، في 11 تموز/يوليو الماضي، نفسها للسلطات التركية، لدفع عملية السلام وإكسابها زخماً، لكن أوجلان رفض الاقتراح لعدم إقرار قوانين تخص مصير مقاتلي الحزب.
وبدلاً من ذلك، اقترح "أوجلان" سحب مقاتلي حزبه من تركيا، ما سيجنّب الطرفين أي اشتباك مسلح غير محسوب يؤثر سلباً على المفاوضات، بعد أن شهدت مناطق ريفية في مدينتي "ديار بكر" و"بينغول" احتكاكاً مسلحاً منتصف الشهر الحالي.
وقالت مصادر تركية إن أنقرة كانت على علم مسبق بخطوة الانسحاب دون أن تؤكد حدوث لقاء مباشر بين أوجلان ومسؤولين أتراك مشرفين على عملية السلام.
وأضافت المصادر لـ"إرم نيوز" أن السلطات الأمنية والعسكرية التركية كانت على علم بالمسار الذي ستسلكه مجموعة المقاتلين المنسحبين الذين وصلوا إلى جبل قنديل المحاذي للحدود العراقية الإيرانية والقريب من حدود تركيا، وجرى عند سفحه إعلان الانسحاب.
وأشارت وسائل إعلام تركية مقربة من الحكومة، إن حزب العمال الكردستاني سيُخلي، في الفترة المقبلة، مقارَ عسكرية وكهوفاً في منطقتي "زاب" و"متينا" قرب الحدود التركية العراقية واللتين تعرّضتا لاستهداف تركي مكثف، منذ العام 2019، قبل أن تتوقف العمليات العسكرية مع انطلاق عملية السلام.
وقدّم الرئيسان المشتركان لحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، تونجر باكيرهان وتولاي حاتم أوغولاري، مجموعة مطالب لأنقرة رداً على خطوة الانسحاب، حيث يمثل الحزب وسيطاً بين أنقرة بصفته عضواً في البرلمان التركي وثالث أكبر أحزابه، بجانب كونه ممثلاً للأكراد.
وقال السياسيان الكرديان، في مؤتمر صحافي في أنقرة يوم الإثنين، إن قرار حزب العمال الكردستاني سحب جميع قواته من تركيا يُمثل مرحلة جديدة في عملية السلام التي يسميها الجانب الكردي "عملية السلام والمجتمع الديمقراطي" وتسميها أنقرة "تركيا خالية من الإرهاب".
واعتبر باكيرهان أن المرحلة الأولى من عملية السلام انتهت، وبدأ فصلٌ جديدٌ أكثر أهمية وحيوية، موضحاً: "حان الوقت للانتقال إلى السلام الاجتماعي من خلال خطوات قانونية وسياسية لتعزيز الحقوق والحريات، وتعزيز لغة السياسة والديمقراطية".
وأضاف باكيرهان: "يجب أن يكون القانون أساساً لمستقبل يسوده السلام والعدالة، ويجب فتح المسارات، ويجب توفير الفرص لأوجلان ليأخذ زمام المبادرة، ويلعب دوراً أكثر فاعلية، وتسهيل الحوار معه، وتهيئة ظروف العمل والتواصل والعيش بحرية له".
وفي السياق ذاته، قالت تولاي حاتم أوغولاري إن عملية "السلام والمجتمع الديمقراطي" دخلت مرحلة جديدة بقرار انسحاب حزب العمال الكردستاني، وأن على الجميع "امتلاك زمام المبادرة، وعدم الاستسلام للاستفزازات".
يُنظر للقاء سيُعقد، يوم غدٍ الخميس، بين رجب طيب أردوغان، ونائبين من حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، على أنه محطة مفصلية في عملية السلام، حيث سيتوجه وفد الحزب الكردي بعد لقاء الرئيس، نحو جزيرة "إيمرالي" ويلتقي أوجلان المسجون هناك.
وقال المحلل السياسي التركي، علي أسمر، إن الاجتماع المقرر بين أردوغان وممثلي الحزب الكردي سيكون لحظة مفصلية في تحديد اتجاه مسار عملية السلام.
وأضاف أسمر الذي كان يتحدث لـ"إرم نيوز" من إسطنبول، أن الاجتماع سيقود إما نحو ترسيخ عملية سلام داخلية متدرجة، أو نحو إعادة ضبط قواعد الاشتباك بما يضمن استمرار الهدوء دون الوصول إلى تسوية نهائية.
وتوقع أسمر أن تتراوح السيناريوهات المقبلة، بين تسوية تدريجية تُبنى على إجراءات متبادلة للثقة، أو هدنة طويلة الأمد تبقي الباب مفتوحاً لأي تفاوض مستقبلي، أو احتمال تعثّر العملية كما حدث سابقاً.
وأوضح أن المؤشرات الحالية تدل على أن تركيا تسعى، هذا العام، إلى تثبيت معادلة "تركيا بلا إرهاب" كإطار وطني جامع، على أن تبدأ النتائج الملموسة بالظهور خلال عام 2026.
تُبدي الأحزاب السياسية التركية، اعتراضاً على لقاء لجنة السلام البرلمانية التي تضم ممثلين عنها، لقاء أوجلان بشكل مباشر، باستثناء حزب الحركة القومية المتحالف مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، والذي انطلقت دعوة السلام عبر زعيمه دولت بهتشلي ووجدت استجابة أوجلان.
ويريد الجانب الكردي الممثل في حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة "إرهابياً" وحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب أن يكون لقاء أوجلان هو الخطوة المقبلة من عملية السلام التي يصفون فيها الزعيم التاريخي للحزب بأنه مفتاح لها.
ولم ترد أي مطالب صريحة بإطلاق سراح أوجلان في الفترة الحالية، بل تمكينه من مقابلة اللجنة البرلمانية واستقبال وفود أو الاتصال بها بما يتعلق بعملية السلام، لكن لم يرد تأكيد رسمي حول موافقة أنقرة حتى اليوم الأربعاء، بينما تتجه الأنظار إلى، يوم غدٍ الخميس، الذي سيشهد لقاء أردوغان ووفد الحزب الكردي.
وتسود توقعات بإن لقاء أوجلان ممكن، لكن أنقرة تتمسك بأن الانتقال لمرحلة أخرى من العملية، يكون عبر تخلي حزب العمال الكردستاني عن سلاحه بالكامل، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تريد منها أنقرة أن تندمج في الجيش السوري الجديد.
وقال رئيس البرلمان التركي، نعمان كورتولموش، عقب إعلان حزب العمال الكردستاني سحب قواته من تركيا، إنه مع التخلي التام عن السلاح، سندخل عصراً جديداً لا يُناقش فيه سوى الديمقراطية والفكر.
وأضاف كورتولموش الذي يرأس لجنة السلام البرلمانية التي تحمل اسم "لجنة التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية"، إنه يجب التخلي عن السلاح أيضاً في العراق، وسوريا، وإيران.
وعلى الجانب الآخر، يعتبر الجانب الكردي أن ملف "قسد" مستقل، ويحتاج لتواصل معه وعملية سلام مستقلة، بينما تثار تساؤلات حول مصير مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين سيلقون أسلحتهم، ويعودون إلى تركيا قبل صدور تشريعات تحدد مصيرهم، سواء بالعفو أو المحاكمات وفق تشريعات محددة، خاصة بعملية السلام.
وتقر أنقرة بحساسية عملية السلام بعد عقود من الصراع المسلح وآلاف الضحايا، بينما يريد الجانب الكردي أن تنتهي بإقرار قوانين وتشريعات وحتى دستور جديد يرسخ المساواة بين الأتراك والأكراد، بما في ذلك الجانب المتعلق باللغة الأم والثقافة، ويتفق الطرفان على ضرورة نجاحها لبدء مرحلة تنمية وسلام ووحدة في مواجهة تحديات خارجية لتركيا والمنطقة.