الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"

logo
العالم

مُتأرجحة شرقا وغربا.. كيف توازن سلوفاكيا بين النفوذ الروسي والطموح الأوروبي؟‎

القصر الرئاسي في سلوفاكياالمصدر: irozhlas

لم ينعكس ثقل التاريخ على سياسة دولة، كما انعكس على سلوفاكيا "الممزقة" بين إغراءات التمويل والاستثمار والانفتاح الأوروبي، وبين الانجذاب التقليدي إلى روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي السابق.

وتقع سلوفاكيا، التي تبلغ مساحتها 49 ألف كيلومتر مربع، بعدد سكان 5.5 مليون نسمة، على مفترق طريق استراتيجي في قلب أوروبا الوسطى، ما يجعل خياراتها الخارجية محكومة كذلك بموقعها الجغرافي.

"الطلاق المخملي"

ونالت سلوفاكيا استقلالها مطلع عام 1993 بعد الانفصال السلمي عن تشيكيا في ما عرف باسم "الطلاق المخملي"، وكانت الدولتان تشكلان "تشيكوسلوفاكيا"، الواقعة ضمن النفوذ الجيوسياسي للاتحاد السوفييتي السابق، وهنا بالضبط تبرز مفارقة التأرجح شرقا وغربا.

ويرى خبراء أن براتسلافا، التي انضمت إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" والاتحاد الأوروبي وعدد من مؤسسات الاتحاد، واستفادت من الاستثمارات الغربية وبرامج التمويل الأوروبية، وخطت خطوات في مجالات الإصلاح واستقلالية "القضاء" انسجاما مع المعايير الأوروبية، لم تستطع أن تمحو من الذاكرة تجربة الانخراط الطويلة في المعسكر الشرقي، وتأثيرات النفوذ "السوفييتي" على المجتمع والاقتصاد والسياسة.

أخبار ذات علاقة

رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو

بين موسكو وبروكسل.. من يحسم الهوية السياسية لسلوفاكيا؟

وتجلى ذلك بوضوح، حسب الخبراء، مع اندلاع الحرب الأوكرانية، التي أججت التوتر بين موسكو وبروكسل، لتضع، سلوفاكيا، في قلب عاصفة سياسية وجدال متواصل بين من يؤيد الالتزام بموقف التكتل الأوروبي، وخصوصا فئة الشباب، ومن يغلبه الحنين إلى الحقبة السوفيتية، فيتبنى الرواية الرسمية الروسية.

روبرت فيكو

ويهيمن روبرت فيكو (الشيوعي القديم) على الحياة السياسية في سلوفاكيا، إذ تولّى منصب رئيس الوزراء لمرات متعددة، من 2006-2010، ثم 2012-2018، وبدأ ولاية جديدة في 2023 متواصلة حتى الآن، وهو يتبنى موقفا مناهضا لـ"الهجرة"، و"التعددية الثقافية"، وغالبا ما يعبر عن تحفظات إزاء "التدخل الغربي" في شؤون بلاده، ويعرف بدعمه أو تعاطفه مع روسيا، إذ أوقف دعم الحكومة لكييف، بمجرد عودته للسلطة، ولعل هذا ما يفسر تعرضه لمحاولة اغتيال العام الفائت.

ورغم أن سلوفاكيا دعمت بقوة الموقف الغربي من الحرب الأوكرانية، عبر تأييد كييف ضد موسكو، فإن عودة فيكو خلطت الأوراق وغيرت اتجاه البوصلة، لا بالمعنى البراغماتي الظرفي، وفقا للخبراء.

وبالمعنى السياسي الأعمق، فالحزب القومي؛ الشعبوي الذي يقوده، يقدم سردية مختلفة عما يدور في أذهان "الجيل زد"، إذ يقول إن المواقف الغربية تدفع القارة نحو حرب طويلة تستنزفها اقتصاديا، وإن العقوبات لم تضعف موسكو بقدر ما أضعفت اقتصادات دول أوروبية أصغر حجما وأقل تنوعا، مثل سلوفاكيا.

ويوضح الخبراء أن هذه الثنائية المتمثلة في نوع من "النوستالجيا" والانجذاب نحو موسكو التي تمثل امتدادا لتاريخ طويل ترك بصماته في الوعي الجمعي السلوفاكي، وبين بروكسل بما تعد به من مؤسسات حديثة واقتصاد قوي ونمط حياة "مرفهة" وأكثر انفتاحا، وتحول ذلك إلى اختبار سياسي يحدد مسار الانتخابات، ويتحكم في طبيعة التحالفات والائتلافات، ويعيد تشكيل الحوار الداخلي والسجال حول "هوية" البلاد وتوجهاتها.

وأظهرت استطلاعات رأي سابقة أن نحو 45% من السلوفاك يعتبرون أن "الناتو يتحمل جزءا من مسؤولية التصعيد"، في الحرب الأوكرانية، وهي نسبة عالية مقارنة بدول أوروبا الغربية التي تحمل روسيا مسؤولية ما يجري في شرق القارة.

ومثل هذه المعطيات والمؤشرات، وفرت، بحسب خبراء، أرضية خصبة لصعود فيكو وأحزاب قومية أخرى تبنت مواقف مشككة تجاه دعم براتسلافا لأوكرانيا، وتبدي حذرا في الاستماع لكل ما تطالب به مؤسسات الاتحاد الأوروبي، سواء ما تعلق بالحرب الأوكرانية أو ملفات أخرى تشغل القارة.

ويعرب الخبراء عن اعتقادهم أن سلوفاكيا لا تمتلك الحرية الكاملة في التغريد خارج السرب الأوروبي، فمؤسسات الدولة من أجهزة الأمن والجيش والاستخبارات مرتبطة ارتباطا وثيقا بـ"الناتو"، إذ تؤكد المؤسسة العسكرية أن بقاء سلوفاكيا تحت المظلة الغربية "ضرورة"، لا مجرد خيار سياسي، فضلا عن التعاون الوثيق في إطار التكتل الأوروبي.

وبمقدار صعوبة فك الارتباط عن أوروبا، فإن الانحياز السلوفاكي التام لموسكو يبدو غير مرجح، كذلك، خصوصا مع ازدياد الضغوط على سلوفاكيا لاتخاذ موقف أوضح وسط سعي أوروبي لتوحيد الكلمة بشأن استمرار دعم كييف، وحاجة براتسلافا إلى عمقها الأوروبي في الاقتصاد والتجارة وغيرها.

"الوسيط المتحفظ"

ويشير الخبراء إلى أن موسكو تمتلك أدوات تأثير ونفوذ داخل سلوفاكيا، ومن أبرزها الإعلام الموجه عبر الإنترنت، وشبكات معقدة من العلاقات السياسية التي تمتد إلى عقود من التعاون خلال الحقبة الشيوعية، فضلا عن الغاز الروسي الرخيص الذي يغري الحكومة السلوفاكية بتليين المواقف.

وكانت أجهزة الأمن السلوفاكية حذرت في تقارير سابقة مما أسمته "حملات تضليل روسية" تستهدف تقسيم المجتمع وإضعاف الثقة بالمؤسسات الأوروبية، وهذه الأخيرة متهمة، بدورها، من قبل روسيا وحلفائها بالعمل من أجل إبعاد دول المعسكر الشرقي السابق عن الفلك الروسي. 

أخبار ذات علاقة

وحدة مدفعية أوكرانية تطلق النار

من المجر إلى سلوفاكيا.. هل تشق الحرب الأوكرانية وحدة القرار الأوروبي؟

ويرجح الخبراء أن تستمر سلوفاكيا في لعب دور "الوسيط المتحفظ" داخل الاتحاد الأوروبي، فهي دولة تنتمي إلى الغرب رسميا، لكنها مكبلة برواسب الماضي التي تمنعها من التماهي الكامل مع السياسات الغربية، وهو ما يقود إلى سؤال: إلى أي مدى ستستمر براتسلافا في تبني "سياسات رخوة" غير حاسمة بين الشرق والغرب؟.

وتتوقف الإجابة، بحسب الخبراء، على مدى قدرة التيار المؤيد للغرب، على إقناع المجتمع بأن مستقبل سلوفاكيا لا يمكن أن يكون خارج المنظومة الغربية.

لكن الخبراء يحذرون من أنه إذا استمرت الحرب الأوكرانية بلا أفق قريب للحل، فإن الانقسام قد يتعمق، ما يمنح القوميين مساحة أكبر للنمو والتمدد.

وفي ضوء هذا الواقع المعقد، تعيش سلوفاكيا الآن حالة مراجعة عميقة لتموضعها السياسي، ذلك أن معادلة السياسة السلوفاكية، بحسب خبراء، لا تختزل فقط في الذاكرة التي تشدها للماضي، وفي الحلم الأوروبي المستقبلي، بل في البحث عن صيغة تعيد تعريف دورها في واقع أوروبي مضطرب، سياسيا.

ويخلص الخبراء إلى القول إنه قد يكون صعبا على براتسلافا إحداث قطيعة جذرية مع الماضي، لكن قدرتها على تحويل هذا الإرث إلى عنصر قوة، لا إلى عبء، ستحدد موقعها ضمن القارة خلال السنوات المقبلة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC