أثارت المباحثات الهاتفية التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بعد أيام من استئناف المحادثات بين موسكو وكييف في إسطنبول تساؤلات حول مسار عملية السلام بعدما وصف الرئيسان المباحثات بأنها "صريحة وجوهرية"، إذ أعلن ترامب عن البدء بالمحادثات بين الجانبين فورا.
وقالت صحيفة "موسكو تايمز" الناطقة باللغة الإنجليزية، إن بوتين تجنب بمهارة دعوات ترامب للسلام منذ أشهر، ولم يتطرق بمحادثاته مع ترامب إلى وقف إطلاق النار للبدء في محادثات، وسط توقعات بأن يتخذ ترامب موقفًا أكثر صرامة تجاه بوتين.
واعتبر خبراء روس أن محادثات ترامب وبوتين تشكل مثالا جديدا على استراتيجية موسكو في التعامل مع ترامب التي قدمت شيئا جديدا يستطيع الترويج له على أنه انتصار دبلوماسي دون تقديم أي تنازلات جوهرية بشأن حربها الدائرة مع أوكرانيا من ثلاث سنوات.
لا تنازلات
وقال المحلل السياسي إيفان بريوبرازينسكي: "على الرغم من تجدد النقاش حول جهود السلام، فإنه لم يتغير شيء بشكل أساسي بعد المكالمة بين بوتين وترامب... من الواضح أنه لم يكن هناك حديث جدّي عن وقف إطلاق النار".
وأضاف: "هذه المحادثات تعكس النمط السائد في جميع جولات المفاوضات، حيث رفضت موسكو باستمرار مناقشة أي نوع من وقف إطلاق النار العسكري".
واعتبر المحلل الروسي أن بوتين يسعى إلى تجنب عزل ترامب مع عدم الانخراط بجدية في محادثات السلام وبدلًا من الحديث عن وقف إطلاق النار عرض مناقشة مذكرة تفاهم قد يستغرق التوصل إليها وقتًا طويلًا، مشيرًا إلى أن استراتيجية بوتين هي المماطلة، وإطالة أمد الحرب حتى تضيق فرصة أوكرانيا للقيام بعمليات عسكرية فعالة.
وفي أعقاب المحادثات، قال الكرملين إن الجانبين اتفقا خلال المحادثات على أن روسيا "ستقترح وهي مستعدة للتعاون" مع كييف بشأن صياغة مذكرة يمكن أن تشكل الأساس لاتفاقية سلام مستقبلية.
وبحسب الجانب الروسي، فإن الوثيقة تهدف إلى تحديد العناصر الرئيسية مثل المبادئ لحل الصراع، بما في ذلك الإطار الزمني لاتفاق سلام محتمل، ووقف إطلاق النار المؤقت المحتمل إذا تم التوصل إلى اتفاقيات متبادلة.
وعلى الجانب الآخر، قال ترامب إن شروط اتفاق السلام بين روسيا وأوكرانيا لا يمكن التفاوض عليها إلا بين موسكو وكييف.
نتيجة قصيرة الأجل
وقالت تاتيانا ستانوفايا، وهي زميلة بارزة في مركز كارنيجي روسيا أوراسيا في برلين، إن "بوتين وجد طريقة لتقديم نتيجة قصيرة الأجل لترامب من جهود السلام التي تبذلها واشنطن دون تقديم أي تنازلات حقيقية بهدف إعادة أوكرانيا إلى عملية إسطنبول ويبدو أنه يحظى بدعم ترامب".
وأضافت ستانوفايا: "من الممكن أن يقبل بوتين بوقف إطلاق النار كجزء من تسوية أوسع نطاقًا، والتي يمكن أن تشمل شروطًا مثل تجميد المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ووقف التجنيد والاستعدادات العسكرية الأخرى".
وتابعت:"بوتين عندما يتحدث عن التوقيت فإنه يشير إلى أن روسيا لن تنتظر إلى أجل غير مسمى حتى تتحقق هذه الشروط".
وقالت ستانوفايا: "يبدو أن ملخص ترامب للمكالمة يشير أيضًا إلى أن تركيزه قد ينصب بشكل أكبر على الفرص الاقتصادية المحتملة مع روسيا بمجرد انتهاء الحرب بدلاً من ضمان حصول كييف حليفة واشنطن على اتفاق سلام عادل".
علاقة قصيرة
ورجّح المحلل الروسي ألكسندر موروزوف أن تكون العلاقة بين بوتين وترامب قصيرة الأجل قائلا: "بوتين يدرك ذلك جيدًا".
وقال موروزوف: "في نهاية شهر يونيو/ حزيران، نواجه السؤال حول مدى استمرار الولايات المتحدة في تمويل الاحتياجات العسكرية لأوكرانيا للدفاع عنها".
وأضاف: "سيجتمع حلف شمال الأطلسي (الناتو) في لاهاي لتحديد استراتيجية التحالف للعامين المقبلين، وسيشمل ذلك أيضًا قراراتٍ بشأن المساعدات المُقدمة لأوكرانيا. أعتقد أن هذا هو الخط الأحمر تحديدًا، في إشارةٍ إلى مستقبل علاقة روسيا بالغرب".