في تصعيد جديد قد يفتح فصلًا أكثر توترًا في الحرب الروسية الأوكرانية، اتهمت كييف بكين بتقديم معلومات استخباراتية إلى موسكو، ما يمكنها من توجيه ضربات صاروخية أكثر دقة داخل الأراضي الأوكرانية.
هذا الاتهام يضع بكين في قلب معادلة حساسة تجمع بين حليفها الاستراتيجي الروسي، وشركائها الاقتصاديين في أوروبا والولايات المتحدة.
وكان المسؤول في المخابرات الأوكرانية، أوليه ألكسندروف، قد قال في تصريحات لوكالة "يوكرينفورم" الرسمية، إن الصين تزود روسيا بمعلومات من أقمارها الصناعية حول مواقع استراتيجية داخل أوكرانيا، بعضها يضم استثمارات أجنبية.
وأضاف ألكسندروف أن بلاده تمتلك أدلة على تعاون استخباراتي رفيع المستوى بين موسكو وبكين في مجال الاستطلاع الفضائي، بهدف تحديد أهداف حيوية لضربها.
وتأتي الاتهامات الجديدة بعد تصريحات سابقة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أكد فيها أن الصين تزود روسيا بالأسلحة والذخيرة.
وأشار زيلينسكي إلى وجود معلومات استخباراتية تفيد بأن بكين تُنتج أسلحة داخل الأراضي الروسية.
وفي ظل هذه التطورات، تثار تساؤلات حول أي مدى يمكن أن تغير هذه الاتهامات ملامح العلاقة بين بكين والعواصم الغربية؟ وهل ستتحول الحرب في أوكرانيا إلى ساحة مواجهة استخباراتية صينية غربية مفتوحة؟.
يرى خبراء، أن المزاعم الأوكرانية بشأن تزويد الصين لروسيا بمعلومات استخباراتية حول أهداف في أوكرانيا، تمثل تحولًا خطيرًا في مسار الحرب، خاصة أنها قد تُفسر في الغرب على أنها تخلٍ عن الحياد الذي تبنته بكين منذ اندلاع النزاع.
وأضاف الخبراء، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن هذا الاتهام حتى وإن لم تثبت صحته حتى الآن يضع الصين في موضع الشبهة أمام أوروبا وواشنطن، ويهدد بإعادة خلط الأوراق في العلاقات الدولية، خصوصًا في ظل التوتر المتصاعد بين موسكو والعواصم الغربية.
وأشاروا إلى أن أي إثبات لدعم استخباراتي صيني قد يدفع الولايات المتحدة إلى فرض قيود أو عقوبات جديدة على الشركات الصينية، ويعرقل مساعي بكين لتقديم نفسها كوسيط محايد في النزاعات الدولية، وهو ما من شأنه أن يعمّق الانقسام الدولي ويزيد من عزلة روسيا سياسيًا واقتصاديًا.
وبهذا السياق، قال رئيس المركز الأوكراني للحوار، د. عماد أبو الرب، إن المشهد الدولي بشأن الحرب الروسية الأوكرانية ما زال يشوبه الغموض، لكن ما هو واضح أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وتحديدًا بريطانيا، مستمرون في دعم أوكرانيا بأشكال متعددة.
وأكد أبو الرب، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن هذا الدعم لا يقتصر فقط على الجوانب العسكرية، بل يمتد إلى الدعم الاستخباراتي، حيث توجد تصريحات رسمية أمريكية تؤكد تقديم معلومات استخباراتية لأوكرانيا تساعدها في التعرف على نقاط ضعف القوات الروسية وتموضعها، بما في ذلك المواقع الحيوية المتعلقة بالبنى التحتية.
وتابع: "في حال استمرار روسيا بضرب منشآت الطاقة الأوكرانية، ستكون لدى أوكرانيا معلومات دقيقة حول المواقع الروسية، مما سيمنحها قدرة على الرد بطريقة أكثر فاعلية".
وأشار أبو الرب إلى أن الصين تبدو حريصة على تجنب المواجهة المباشرة في هذه المرحلة، وتحاول تأخير أي استفراد محتمل بها من قبل الغرب.
وأكد أن الصين تراقب عن كثب تطورات المشهد، وقد تستعد بطرق مختلفة لأي سيناريو قادم، خاصة بعدما كشفت الحرب الأوكرانية الروسية عن اتساع الفجوة بين حلفاء الطرفين.
ورجح أن تحاول روسيا في المرحلة المقبلة تصعيد الموقف، عبر تكثيف العمليات والاستخدام الأوسع للمعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجستي من حلفائها، خاصة من الصين، وهذا قد ينذر بتوسيع نطاق الحرب.
وأوضح أبو الرب أن كل المؤشرات تدل على أن هذا التصعيد سيستمر حتى نهاية العام، وربما يشهد العالم مواجهات أشد ضراوة في حال انجرار المزيد من الدول إلى دائرة المواجهة، وتوسيع رقعتها جغرافيًا بشكل يصعب السيطرة عليه.
بدوره، قال المحلل السياسي الصيني، نادر رونغ، إن موقف الصين تجاه الأزمة الأوكرانية كان واضحًا منذ اللحظة الأولى، إذ دعت بكين جميع الأطراف إلى حل النزاع عبر الوسائل السياسية والتفاوض.
وأضاف رونغ، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن الصين تلتزم بمبدأ عدم إرسال أي أسلحة إلى أطراف النزاع، بما في ذلك روسيا، رغم أنها تُعد حليفًا استراتيجيًا لبكين، وذلك على عكس بعض الدول الغربية التي زودت كييف بالسلاح والعتاد العسكري.
وأوضح أن الصين، التي تمتلك قدرات عسكرية وتقنيات متقدمة، لو كانت تقدم دعمًا عسكريًا لروسيا، لما كان شكل الحرب كما هو عليه الآن، وهذا يدل على التزام الصين بموقفها الثابت القائم على عدم الانخراط عسكريًا أو تسليحيًا في النزاع.
وشدد رونغ على عدم وجود أي أدلة موثقة تدعم التصريحات الأوكرانية التي تزعم وجود دعم عسكري صيني لموسكو، مشيرًا إلى أن بكين تواصل سياسة الحياد في هذه الأزمة، وتحافظ في الوقت ذاته على علاقاتها التجارية والاقتصادية مع جميع الأطراف، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، الذي تربطه بالصين علاقات اقتصادية قوية.
وأشار إلى أن السياسة الصينية الخارجية تقوم على مبادئ عدم التدخل واحترام سيادة الدول، وهي تسعى دائمًا إلى لعب دور الوسيط في النزاعات بدلًا من الانحياز لأي طرف.
وأكد رونغ أن هذا النهج يعكس رغبة الصين في الحفاظ على الاستقرار الدولي وعدم تأجيج التوترات، خصوصًا في مناطق الصراع الحساسة.
ولفت إلى أن موقف الصين المحايد لم يقتصر على الأزمة الأوكرانية، بل شمل أيضًا العديد من الصراعات الإقليمية الأخرى، مثل النزاع بين الهند وباكستان، والتوترات بين تايلند وكمبوديا، وكذلك الأزمات في الشرق الأوسط كالتوتر بين إسرائيل وإيران، حيث لم تقدم بكين أي دعم عسكري لأي من الأطراف في تلك النزاعات.