تبدو كوريا الجنوبية عالقة "تحت ضغط شديد" بين الولايات المتحدة والصين في حربهما التجارية، وهو ما يفرض عليها التخلي عن الحياد الاستراتيجي الذي حافظت عليه لسنوات طويلة.
وقبل شهرين، ومن البيت الأبيض، أقرّ رئيس كوريا الجنوبية المنتخب حديثا، لي جاي ميونغ، بصعوبة الحياد الذي تعبّر عنه العبارة الكورية الشهيرة "الولايات المتحدة من أجل الأمن، والصين من أجل الاقتصاد"، التي تشير إلى كيفية ضرورة موازنة البلاد بين اعتمادها على أمريكا للدفاع الوطني والأهمية الاقتصادية لبكين كسوق حاسمة للشركات في سيؤول.
وشدّد لي جاي ميونغ حينها وهو بجوار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن على بلاده أن تختار، وأنها لم تكن في وضع يسمح لها بالانحراف عن سياسات الولايات المتحدة، وفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".
وكما هو الحال مع العديد من البلدان التي تواجه اقتصاداً عالمياً مجزأ بشكل متزايد، وجدت كوريا الجنوبية نفسها في خضم حرب تجارية مريرة، وأُجبرت على اتخاذ موقف لا يمكن الفوز فيه بين ضوابط التصدير والعقوبات والتعريفات الجمركية.
وصبحت المعضلة الآن شائكة خصوصا بالنسبة لكوريا الجنوبية، فهي تحافظ على تحالفها الحيوي مع الولايات المتحدة، حتى في الوقت الذي تكافح فيه لتلبية مطالب ترامب "الشاقة" لإتمام صفقة تجارية اتفق عليها البلدان مبدئياً في يوليو/تموز الماضي.
من ناحية أخرى، تُعدّ جارتها العملاقة، الصين، الهدف الرئيس لمظالم ترامب الاقتصادية، كما أنها أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية، بحيث تُمثّل ربع صادراتها، بما في ذلك هونغ كونغ.
مع اقتراب موعد الاجتماع المتوقع هذا الأسبوع بين ترامب وشي جين بينغ، الزعيم الأعلى الصيني، على الأراضي الكورية الجنوبية في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، واجهت سيؤول تكلفة باهظة نتيجة للانحياز إلى الولايات المتحدة.
ورغم الجهود الحثيثة التي بذلها المسؤولون الكوريون الجنوبيون في اللحظة الأخيرة لتأمين اتفاق قبل القمة التي ستعقد على أرضهم، واستمرار التأكيدات من كلا البلدين على أن الاتفاق وشيك، فإن الاتفاق النهائي لم يتم التوصل إليه حتى الآن.
وانتقدت "تشوسون إلبو"، الصحيفة اليومية المحافظة في كوريا الجنوبية التي كانت تقليدياً مناصرة للتحالف القوي مع الولايات المتحدة، تكتيكات ترامب الصارمة لانتزاع التنازلات من البلاد، محذّرة من أنها قد تدفع الشركات الكورية الجنوبية إلى أحضان الصين.
وكتب يانغ سانغ هون، كاتب الرأي في الصحيفة: "يُصرّ ترامب على موقفه الصارم تجاه حلفاء أمريكا. بالنسبة له، يبدو أن مجرد كون دولة ما حليفةً له نقطة ضعفٍ كبيرة".
ومن المقرر أن يلتقي ترامب الرئيس لي يوم الأربعاء في كوريا الجنوبية، وقد خفّض الأخير من توقعاته بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق قبل القمة، إذ صرّح في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" بأن "الأمر يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين للتعديل والتصحيح" قبل التوصل إلى اتفاق نهائي.
وأصبحت تكنولوجيا أشباه الموصلات الكورية الجنوبية أيضاً أداة في الصراع المتصاعد بين الصين والولايات المتحدة، وقبل تولي ترامب منصبه، فرضت الولايات المتحدة قيوداً على صادرات ما يُسمى برقائق الذاكرة عالية النطاق الترددي إلى الصين، وهي ضرورية لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وفي حين أن الطلب المتزايد على رقائق الذكاء الاصطناعي سيساعد في تعويض أي تأثير لضوابط التصدير على المدى القصير، إلا أن هناك مخاطر محتملة على المدى الطويل. وتتلقى شركات تصنيع الرقائق الصينية دعماً مالياً كبيراً من بكين لسد الفجوة التكنولوجية مع شركات أشباه الموصلات الأجنبية، مما يمهد الطريق لمنافسين مستقبليين.
ووفق جون بارك، الخبيرة الاقتصادية السياسية من كوريا الجنوبية، فإن هناك قلقاً متزايداً من أن الشركات الصينية قد تلحق قريباً بشركتي إس كيه هاينكس وسامسونغ إلكترونيكس، أكبر شركتين مصنعتين لرقائق الذاكرة عالية النطاق العريض.