الجيش الإسرائيلي: اعتراض 3 مسيرات أطلقت من اليمن باتجاه إسرائيل
في أعقاب حربها القصيرة والمريرة مع إسرائيل، تسير إيران على خط دقيق ومدروس، يتمثّل في تصعيد الغموض النووي لردع الهجمات المستقبلية وإشاعة التناقضات المتعمّدة في التصريحات، مع إبقاء يدها ممدودة للدبلوماسية.
ووفق تقرير لموقع "المونيتور"، فإن نهاية حرب الـ 12 يوماً، كشفت عمق الخلافات بين المتشددين الذين يطالبون إيران بالمضي قدماً في التسلح النووي، والمعتدلين الذين يسعون إلى إبقاء باب الدبلوماسية مع الغرب مفتوحاً، ولو لمنع المزيد من الدمار.
على الرغم من توقف إطلاق الصواريخ قبل أسابيع، لا تزال تظهر انقسامات داخلية جديدة، لا تقل أهمية، حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني والرسائل التي تختار طهران توجيهها إلى المجتمع الدولي، أو لإخفائها عنه.
واستغلت أصوات متشددة داخل إيران النبرة الوجودية للحرب للمطالبة بتحول استراتيجي حاسم نحو التسلح النووي، ووفقاً لمنطقهم، فإن الرادع الحقيقي الوحيد ضد الضربات الإسرائيلية أو الأمريكية المستقبلية هو امتلاك قنابل نووية فعلية.
وبينما يزعم المتشددون أن "ضبط النفس الاستراتيجي" جعلهم عرضة للخطر، فإنهم يبررون هذا المنظور بالإشارة إلى دقة حملة الاغتيالات الإسرائيلية التي قتلت العشرات من كبار القادة وأكثر من 12 عالماً نووياً.
في الصحافة المحافظة والأوساط الدينية، أصبحت الدعوات العلنية إلى استخدام السلاح أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، إذ أصدر العديد من كبار رجال الدين بالفعل فتاوى دينية تُجيز اتخاذ إجراءات انتقامية، بما في ذلك اغتيال الرئيس دونالد ترامب.
ومع ذلك، تواصل القيادة الإيرانية إرسال إشارات مدروسة عن نوايا دبلوماسية، لا سيما تجاه الولايات المتحدة، حتى محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان المحافظ، أقرّ في مقابلة مع هيئة الإذاعة الحكومية يوم الخميس بأن الدبلوماسية لا تزال "أداة للمقاومة".
وبينما وضع شروطاً صارمة، بما في ذلك تخفيف العقوبات، وضمانات أمنية، وتعويضات عن دمار الحرب، أكد قاليباف أن طهران لا تزال تجد في التفاوض سبيلاً عملياً.
واتخذ الرئيس مسعود بزشكيان موقفاً أكثر اعتدالاً، ولم يستبعد أي تواصل مستقبلي. وخلال مكالمة هاتفية هذا الأسبوع، أبلغ بزشكيان رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا أن إيران لا تزال ملتزمة "بالحوار والدبلوماسية والقانون الدولي"، شريطة أن يبادلها الغرب نفس الشعور.
قد يعكس موقف بزشكيان معضلة صعبة تواجهها طهران: كيف تُرضي الضغوط الداخلية من أجل ضمانات أمنية وردّ فعل انتقامي دون إبعاد الغرب تمامًا أو إغلاق المسار الدبلوماسي، لا سيما في وقت لا تزال فيه العقوبات تُلحق الضرر بالاقتصاد الإيراني.
والأهم من ذلك، أن طهران تُدرك أن رفض التواصل مع واشنطن قد يُقنع ترامب ببساطة بمنح إسرائيل الضوء الأخضر لشن هجمات جديدة على دولة شُلّت دفاعاتها الجوية بسبب حرب الأيام الاثني عشر، ولديها أوراق لعب أقل إذا اندلعت الحرب مجدداً.
يتجلى هذا التوتر بوضوح في رسائل طهران المتضاربة حول التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. في أعقاب الحرب، أقرّ البرلمان الذي يهيمن عليه المحافظون تشريعاً يقضي بتعليق جميع أشكال التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ووقّع بزشكيان القانون وأصدره رسميًا في وقت سابق من هذا الشهر، بعد أسبوع من وقف إطلاق النار.
لكن حكومته حاولت منذ ذلك الحين إعادة صياغة تأثيرها في محاولة واضحة لتخفيف الضغوط. ونشر وزير الخارجية عباس عراقجي على موقع إكس الأسبوع الماضي أن إيران لا تزال ملتزمة بمعاهدة حظر الانتشار النووي واتفاقية الضمانات الخاصة بها.
وهذا التناقض "مُتعمّد"، بحسب "المونيتور"، فهو يسمح لإيران بالحفاظ على مظهر الامتثال أمام الرأي العام الدولي، بينما يُرضي المتشددين في الداخل، ولكنه يُعمّق أيضاً الالتباس وانعدام الثقة.
وأدانت الحكومات الأوروبية هذه الخطوة، ووصفتها برلين بأنها "رسالة مُدمّرة" تُلغي إمكانية الرقابة. وتظل هذه الرقابة ركيزة أساسية لأي حل دبلوماسي، كما كان في صميم مطالب الولايات المتحدة في المبادرة الدبلوماسية الأخيرة التي تعذّر إيقافها بسبب الحرب.
كما يُحيط الغموض أيضاً بوضع وموقع مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، والذي يُقال إنه يزيد عن 400 كيلوغرام. وقد قُطعت إلى حد كبير مهمة المراقبة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ أوائل عام 2021، ولكن بعد حرب يونيو/حزيران، يُعتقد أن إيران وسّعت بعض مستويات عملياتها السرية.
وتشتبه أجهزة الاستخبارات الغربية في أن إيران ربما تكون قد نقلت أجزاء من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 60% إلى منشآت غير مُعلنة، ولم تُقدّم طهران أي دحض يُذكر لهذه التهمة.
ويعد "المونيتور" أن سياسة الغموض والتناقاضات التي تتبعها طهران، قد تخدم أهدافاً قصيرة المدى، لكنها على المدى البعيد تزيد من خطر سوء التقدير.
ويضيف الموقع: "بينما تُفكر الحكومات الغربية في ردود أفعالها، وبينما تُواصل القيادة في طهران معايرة مواقفها، تبقى حقيقة واحدة واضحة، وهي أن مستقبل إيران النووي ليس مجرد مسألة فنية أو لغز دبلوماسي".