رغم مرور ما يقارب أسبوعين على محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في بنين، فإن تداعياتها لا تزال تتكشف تباعاً، كاشفة عن خبايا عميقة داخل المؤسسة العسكرية، فقد أظهرت تصريحات وتحركات المتمردين وجود اختلالات جوهرية في بنية الجيش، وهي ثغرات كان ضباط وجنود قد أثاروها على مدى سنوات دون أن تجد طريقها إلى المعالجة.
في صباح يوم 7 ديسمبر/ كانون الأول، وضعت الوحدات العسكرية في حالة تأهب قصوى، عقب تعرضها لهجوم مباغت نفذه بعض أفرادها، في محاولة انقلاب هي الأولى من نوعها في البلاد منذ عام 1972.
ولم تتجنب بنين الكارثة الكبرى إلا بسبب سرعة تحرك الجنود الموالين للسلطة، مدعومين بطائرات مقاتلة نيجيرية وبعناصر من القوات الخاصة الفرنسية.
وبعد ثلاثة أيام من الحادثة، أقر المتحدث باسم الحكومة ونائب الأمين العام، ويلفريد هونغبدجي، قائلاً: "لقد تجنبنا الأسوأ بأعجوبة".
ورغم عودة الهدوء الظاهري إلى العاصمة الاقتصادية كوتونو، فإن ما جرى أدخل الجيش البنيني، وعلى نطاق أوسع السلطة السياسية برئاسة باتريس تالون، في مرحلة من عدم اليقين.
ويزداد هذا الوضع هشاشة في ظل ضغوط متصاعدة من جماعات متطرفة تنشط في شمال البلاد انطلاقاً من منطقة الساحل، إلى جانب توترات إقليمية مع المجالس العسكرية الحاكمة في كل من بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين.
ويذكر أن تالون، الذي أمضى فترتين رئاسيتين، أعلن عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل/ نيسان 2026.
أما أحداث ذلك اليوم، الذي وصفه الرئيس تالون بأنه "بالغ الخطورة"، فقد كانت كفيلة بإظهار حجم التهديد، إذ حاول المتمردون أسر رئيس الدولة، وأطلقوا النار لما يقارب ساعة كاملة على مقر إقامته حيث كان يتحصن.
كما تعرض رئيس أركان الجيش، الجنرال النافذ بيرتين بادا، لهجوم في منزله، وتمكن من الفرار، غير أن زوجته قتلت وأصيبت ابنته بجروح خطيرة، كذلك احتجز مدبرو الانقلاب الفارون ضابطين آخرين معروفين بقربهما من الرئيس، قبل أن يفرج عنهما في اليوم التالي، وفق ما أفادت به مصادر أفريقية مطلعة.
وعلى مدار يوم الأحد، تبادل جنود بنينيون إطلاق النار فيما بينهم، وبلغت المواجهات ذروتها بهجوم أخير استهدف ثكنات توغبين في غرب كوتونو، حيث تحصن آخر الجنود المتمردين.
رسمياً، أسفرت هذه الاشتباكات، التي وصفها هونغبدجي بأنها "عنيفة وشديدة"، عن مقتل شخص واحد من صفوف القوات الموالية، إضافة إلى إصابة عدد من المتمردين، من دون أن تحدد الحكومة حصيلتهم بدقة. غير أن مصادر عسكرية عدة تشير إلى أن الأرقام المعلنة تقل عن الواقع.
ومع مرور الأيام، ما زالت أسئلة عديدة بلا إجابات، ما يعزز فرضية وجود اضطرابات أعمق داخل الجيش.
فبحسب السلطات، يتراوح عدد المتمردين بين 100 و200 عنصر، اعتقل نحو ثلاثين منهم، في حين لا يزال العشرات فارين، إلى جانب شركائهم المحتملين، ويأتي في مقدمة هؤلاء قائدهم، المقدم باسكال تيجري، قائد مجموعة القوات الخاصة، الذي تمكن من الفرار إلى توغو.
وتفيد المعطيات بأن غالبية مدبري الانقلاب لم يكونوا من عناصر القوات الخاصة، التي لا يتجاوز عدد أفرادها الثلاثين، بل من الحرس الوطني، وحدتهم الأم، والتي تعد العمود الفقري لجهاز الأمن في عهد باتريس تالون.
وقد أنشئ الحرس الوطني عام 2020، ويضم نحو 3 آلاف جندي من أصل 12 ألفا يشكلون إجمالي القوات المسلحة البنينية.
ويعرف هذا التشكيل العسكري بأنه يحظى بدعم وتجهيزات جيدة، ويتلقى تدريباً جزئياً من فرنسا والولايات المتحدة، الأمر الذي جعل تصرفات المقدم تيجري ورجاله محل استغراب وتساؤل واسع داخل الأوساط العسكرية والسياسية.
وخلال الأيام العشرة التي تلت المحاولة الانقلابية، شددت القيادة البنينية على أن ما جرى كان عملا معزولا نفذته مجموعة محدودة من الجنود، تمثل نسبة ضئيلة من الحرس الوطني.
إلا أن أصواتا أخرى دعت إلى توخي الحذر، مشككة في غياب دعم أوسع داخل المؤسسة العسكرية، خصوصاً في ظل أجواء الارتباك التي سادت، حيث راقب الجنود بعضهم البعض بريبة، وبرزت تساؤلات حول هوية المتورطين الحقيقيين، وأسباب طلب السلطات دعماً عسكرياً من نيجيريا وفرنسا إذا كان الوضع بالفعل تحت السيطرة.
وكدليل على أن الثقة لم تستعد بالكامل، لا يزال نحو 250 جنديا نيجيريا، وصلوا في وقت متأخر من يوم 7 ديسمبر/ كانون الأول بتفويض من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، متمركزين في معسكر توغبين داخل بنين.
إلى جانب هذه الشكوك، أعادت المحاولة الانقلابية إلى الواجهة جملة من الإشكالات البنيوية التي أثارها عسكريون منذ سنوات، وبرزت بوضوح في الخطاب الموجز الذي بثه المتمردون على التلفزيون الوطني صباح يوم الانقلاب. وفي مقدمة هذه القضايا، التي تشغل بال الجيش البنيني، التدهور المتواصل للوضع الأمني في شمال البلاد.
فمنذ عام 2021، بدأت جماعات متشددة بالتسلل من بوركينا فاسو والنيجر إلى شمال بنين. ورداً على ذلك، أطلق الرئيس تالون عملية "ميرادور" عام 2022، غير أن هذه الجهود لم تمنع وقوع خسائر فادحة.
وتُتهم السلطات في بعض الأحيان بالتقليل من خطورة الوضع، تفاديا لإثارة القلق في بلد يعتمد بدرجة كبيرة على السياحة، أما عائلات الجنود القتلى، فلا تحظى دائماً بتعويضات أو دعم كاف، وهو ما أثاره المتمردون صراحة.
كما استنكر المتمردون ما وصفوه بـ"الترقيات غير العادلة على حساب الأكثر استحقاقا"، مسلطين الضوء على شكوى طالما رددها ضباط خلال السنوات الأخيرة، مفادها أن التقدم في الرتب بات مرتبطاً بالولاء للسلطة أكثر من ارتباطه بالكفاءة المهنية.