تُشكّل الملاحة في البحر الأسود محوراً إستراتيجياً في سياق الحرب الأوكرانية، حيث تُعدّ حرية حركة السفن ضرورية للتجارة الدولية والدعم العسكري، إلا أنه مع تصاعد التوترات، أصبح الوضع أكثر تعقيداً بعد فشل المفاوضات التي كانت تهدف لضمان أمن الملاحة؛ مما دفع تركيا إلى التمسك بموقفها وإغلاق المضائق أمام السفن الحربية.
ووفقا لتقرير صحيفة "لوموند" الفرنسية، استندت تركيا إلى اتفاقية مونترو التي تخوّلها هذا الحق في زمن الحرب. وأكد التقرير أن هذا الموقف يسلّط الضوء على الدور الجيوسياسي الحاسم لأنقرة في التوازنات الإقليمية والدولية.
وأصبحت الأمنيات المتعلقة بالملاحة في البحر الأسود، منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 في حالة هشّة.
وكانت المنطقة، قبل الحرب، تُعدّ أحد أبرز الممرات التجارية، حيث يمر عبرها حوالي 40٪ من صادرات الحبوب العالمية.
وتراجعت حركة التجارة بشكل كبير، مع اشتداد النزاع، لكن شحنات الحبوب الأوكرانية والروسية استمرت في عبور هذه المياه، رغم المخاطر العديدة المتمثلة في الألغام البحرية والعقوبات والشكوك التي يثيرها التأمين بسبب المخاطر المرتبطة بالحرب.
وشدد تقرير الصحيفة الفرنسية على أنه في ظل هذه الظروف، أصبحت استعادة الأمن في البحر الأسود أولوية قصوى، ولا سيما في حالة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا.
وكانت هذه المسألة في قلب المناقشات التي جرت في أنقرة في 15 و16 أبريل الماضي، حيث اجتمع ممثلون عسكريون من عدة دول، بما في ذلك فرنسا، والمملكة المتحدة، وتركيا، وأوكرانيا، لمناقشة سبل تعزيز الأمن البحري في المنطقة.
بدورها، أكدت تركيا في أعقاب هذه المحادثات استعدادها للإشراف على البُعد البحري لأي انتشار عسكري متعدد الجنسيات في أوكرانيا، بشرط توقيع اتفاق هدنة، مبدية استعدادها لضمان حرية الملاحة في البحر الأسود، في إطار مهمة تهدف إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار وتنسيق عمليات إزالة الألغام البحرية، التي تشكل تهديداً حقيقياً لحركة الملاحة.
وتُعد الألغام البحرية من أبرز التحديات التي تعيق عمل الموانئ الأوكرانية، مثل ميكولايف وأوتشاكيف وخيرسون، والتي لا تعمل بكامل طاقتها بسبب هذا التهديد.
كما تتعرض موانئ أخرى مثل أوديسا، بانتظام للهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة من قبل القوات الروسية؛ مما يجعل من ضمان أمن الملاحة في البحر الأسود مسألة حيوية، ليس فقط بالنسبة لأوكرانيا ولكن أيضاً للأمن الغذائي العالمي.
وخلص التقرير إلى القول إنه في الوقت الذي تبقى فيه فرص التوصل إلى هدنة بعيدة المنال، فإن الدور التركي في ضمان حرية الملاحة في البحر الأسود يعكس الأهمية الاستراتيجية لهذا الممر المائي في السياق العسكري والاقتصادي للمنطقة.