مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
راهنت إيران لثلاثة عقود على أن كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان ستضطر إلى المرور عبر أراضيها للوصول إلى الأسواق العالمية، باعتبارها "البوابة الجغرافية" لدول آسيا الوسطى.
لكن الجغرافيا وحدها لم تكفِ، بحسب تقرير لمجلة "ناشيونال إنترست"، فالمنطقة تبتعد بهدوء تام عن الطريق الإيراني دون أن تعلن ذلك صراحة، بسبب العقوبات الدولية، إذ بعد الحرب الأوكرانية أصبح أي تعامل مالي أو تأميني يمس طهران أو موسكو مغامرة محفوفة بالمخاطر.
وترفض البنوك الأوروبية والآسيوية تحمّل مخاطر الامتثال، فارتفعت أقساط التأمين، وتعقّدت الوثائق، وتوقفت المدفوعات أحياناً لأسابيع دون تفسير، ليتحول ما كان في السابق ممراً مألوفاً عبر روسيا أو إيران، إلى متاهة بيروقراطية لا يتحملها مصدّر يريد تسليم بضاعته في موعدها إلى أوروبا.
في المقابل، برز الممر الأوسط عبر بحر قزوين، الذي يربط أذربيجان وجورجيا وتركيا، كبديل عملي وآمن نسبياً، فرغم أن الشتاء يجمّد البحر أحياناً، والسكك الحديدية في القوقاز لا تزال بحاجة لتحديث، لكنّ الممر قدم شيئاً أغلى من السرعة، وهو الابتعاد عن العقوبات والمخاطر السياسية.
وخلال ثلاث سنوات فقط، زادت كازاخستان طاقة ميناءي أكتاو وكوريك، فيما طوّرت أذربيجان بنيتها التحتية بقوة، واستفادت جورجيا من تمويل أوروبي هادئ لتحديث خطوطها الحديدية، ليتحول ممر بحر قزوين من خيار طارئ إلى روتين يومي.
لم تقف طهران مكتوفة الأيدي، إذ روّجت بقوة لممر الشمال-الجنوب، ووعدت مع روسيا كل عام بإكمال خط سكة حديد رشت-أستارا "قريباً جداً"، لكن التأخير المتكرر أضعف حماس الشاحنين، والمشكلات اليومية داخل إيران زادت من التعقيدات، من تغيير مفاجئ في إجراءات الجمارك، ونقص الديزل، إلى تقلبات سعر الصرف، بيروقراطية لا نهائية.
ورغم أن الشركات المحلية تعلّمت العيش مع هذه الفوضى، لكن المصدّر من طشقند أو أستانا لا يملك ترف الارتجال عندما يواجه عقوداً أوروبية بعقوبات صارمة على التأخير، إضافة إلى الحذر السياسي، فلا تريد دول آسيا الوسطى أن تتورط في صراعات الشرق الأوسط أو التوتر الإيراني-الإسرائيلي.
وتنظر تلك الدول إلى مسار بحر قزوين باعتباره أكثر حيادية، وقبولاً من المقرضين الدوليين والمستثمرين الأوروبيين والآسيويين. حتى الهند، التي كانت تراهن قبل عشر سنوات على ميناء تشابهار الإيراني، عدلت أولوياتها نحو مسارات أقل تعقيداً.
وبينما لم تكن النتيجة النهائية قطيعة معلنة، إلا أنها أدت إلى تآكل تدريجي صامت، وفق "ناشيونال إنترست"، فالوكلاء يتصلون الآن بالشركاء الأذربيجانيين لا الإيرانيين، وموظفو الجمارك في أكتاو اعتادوا على نماذج أوراق مختلفة، ومديرو الموانئ في جورجيا يخططون جداولهم على أساس وصول القطارات الكازاخستانية لا الإيرانية.
وباتت هذه العادات اليومية الصغيرة هي التي تحدد مستقبل اللوجستيات، وليس الخطب السياسية أو الخرائط النظرية، ورغم أن إيران لم تختفِ تماماً، ولا تزال موانئها مفتوحة، وهناك تجارة محدودة قائمة مع طاجيكستان وتركمانستان وبعض القطاعات في أوزبكستان، لكنها لم تعد الخيار الأول، ولا حتى الثاني في كثير من الحالات.