أثار الاتفاق التجاري الذي أعلنت واشنطن التوصل إليه مع بريطانيا، تساؤلات حول تبعات ذلك على وحدة الصف الأوروبي.
وجرت مؤخراً تفاهمات بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا لحماية أمن القارة العجوز أمام تهديدات روسيا؛ ما انعكس على النفوذ الأمريكي وعطّل صفقات كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى لفرضها.
وكان ترامب أكد أن الاتفاق التجاري المرتقب إعلانه بين الولايات المتحدة وبريطانيا سيكون كاملا وشاملا.
وكتب ترامب عبر منصته "تروث سوشيال" أن الاتفاق مع المملكة المتحدة سيرسخ العلاقة بين البلدين على مدى أعوام طويلة مقبلة.
ويرى عضو حزب العمال البريطاني مصطفى رجب، أن ترامب يدير الولايات المتحدة بعقل رجل أعمال وليس بفكر رئيس دولة في ظل عدم وجود سياسة واضحة لبلاده.
وأشار إلى أنه يتبع المغامرة بالعلاقات مع حلفائه وجيرانه بإشعال أزمات مع كندا والمكسيك مرورا بالأوروبيين وصولا إلى الحرب التجارية مع الصين.
وعبر رجب في تصريحات لـ"إرم نيوز"، عن اعتقاده بأن الاتفاق التجاري مع بريطانيا يدخل ضمن مراجعة سياسات ترامب، لاسيما أن لندن لم تقم برد فعل فوري على الرسوم الجمركية التي فرضها عليها مؤخرا والتي بلغت 25 % مثل دول أخرى.
ويرجح رجب أن تتعلق الاتفاقيات المنتظر الإعلان عنها، برئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون الذي يحاول إعطاء قبلة الحياة لحزب المحافظين المنتمي له والذي يعاني سياسيا، ويراهن من خلال علاقته بترامب عبر تواصل ومباحثات جرت بينهما مؤخرا على تخفيض التعريفة الجمركية إلى 5%، وهو ما يعتبر ورقة رابحة يتعامل بها جونسون بعد ذلك للعودة إلى الواجهة السياسية في بريطانيا برفقة المحافظين أمام حزب العمال.
ومن جهته يقول الباحث في العلاقات الدولية، أحمد سعيد، إن هناك شبهات واضحة في دخول ترامب على خط شق الصف الأوروبي.
وأوضح لـ "إرم نيوز" أن اندماج بريطانيا مع دول الاتحاد الأوروبي في عدة أوجه انطلاقا من التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية وتشكيل نقطة قوة فاصلة لمنع التحكم الأمريكي بالموقف الأوروبي عطل صفقات ومحاور كان ترامب يعمل على فرضها.
وبيّن سعيد أن ترامب كان يجد أن تلويحه بالخروج الأمريكي عن دعم كييف أو حماية أمن أوروبا أمام موسكو قد يمثل ضغطا يجعل الأوروبيين، يرضخون لكن ما جرى عكس ذلك.
وأشار سعيد إلى إجراءات الأوروبيين بشأن الخطة الدفاعية وعملية التسليح العسكري بمليارات.
وأضاف: ما يجري في الاتفاقيات مع لندن من جانب ترامب سيوضح في الفترة القادمة الموقف البريطاني.
ولفت سعيد إلى وجود احتمالية تدور في الأوساط الغربية عن أن اتفاقيات ترامب مع بريطانيا عبارة عن بداية ترتيب أوراق للرئيس الأمريكي مع الأوروبيين والذهاب إلى اتفاقيات مماثلة تشكل استراتيجية لتصحيح المسار.
وأكد التوجه نحو خلط الأوراق ومنع خروج أوروبا عن المظلة الأمريكية، في الوقت الذي يوجد فيه تباين في التعامل مع الروس مؤخرا.
ويؤكد الخبير في الشؤون الأوروبية، حسن رضوان، أن ترامب يعمل على شق الصف الأوروبي ليكون مسيطرا عليه، ولكنه في الوقت نفسه، يقف في الوقت الحالي على نقاط في غاية الأهمية.
وذكر لـ"إرم نيوز" أن أبرز هذه النقاط ما اتضح له بأن رهانه على التعاون مع موسكو يهدد النفوذ الأمريكي في العالم الغربي وعلى المستوى الدولي، وأن ذلك لصالح روسيا ومن قبلها الصين التي يعتبر ترامب مواجهتها صراع بقاء.
وأوضح رضوان أن الصندوق الذي وضعته أوروبا والمقدر بـ 800 مليار يورو، يغري إدارة ترامب بشكل كبير لا سيما أن هذا الصندوق سيوجه الاستثمارات على عدة مستويات خاصة العسكرية في أوروبا.
وأضاف: يعمل الرئيس الأمريكي على أن يكون لبلاده جانب من هذه الاستثمارات والتحكم فيها لتستمر التبعية الأوروبية التي يهددها هو ذاته حاليا.
ولفت رضوان إلى أن ترامب لديه مشاكل وأزمات مع حكومات أوروبية وفي صدارتها الحكومة البريطانية، ولكنْ، هناك ثوابت وأسس بين واشنطن ولندن تجعله حريصا على هذه العلاقة.
ويريد ترامب، بحسب رضوان، أن تكون المملكة المتحدة مساره المضمون لعدم خروج القارة العجوز عن الهيمنة الأمريكية، في وقت تدرك فيه عواصم أوروبية أن ترامب سيتجه إليها.