ترامب يوقع أمرا تنفيذيا يجيز فرض عقوبات على دول متواطئة في احتجاز أمريكيين "بشكل غير قانوني"
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، أمس الاثنين، فرض عقوبات على 3 مواطنين إيرانيين ومؤسسة إيرانية مرتبطة بـ"منظمة الأبحاث والابتكارات الدفاعية" المعروفة بـ"سبند"، وذلك استناداً إلى الأمر التنفيذي رقم 13382.
وجاءت هذه الخطوة بعد يوم واحد من انتهاء الجولة الرابعة من المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن في العاصمة العمانية مسقط.
وتعتبر واشنطن أن منظمة "سبند" هي الامتداد المباشر لبرنامج إيران النووي العسكري السابق المعروف بـ"مشروع عماد".
وتؤكد أن الأفراد المستهدفين بالعقوبات متورطون في أنشطة تسهم في انتشار أسلحة الدمار الشامل أو تُشكل خطرًا بذلك الصدد.
وفي سياق التفاعلات المتشابكة بين إيران والولايات المتحدة، يبدو أن الإدارة الأمريكية تربط بين ما يحدث على طاولة الحوار وما يجري على الأرض، وهو ما وصفه عدد من الباحثين الإيرانيين بأنه "نهج متوقع" من واشنطن.
ويرى بعض المحللين في طهران أن هذا الترابط لم يكن مفاجئاً، فبالنظر إلى اختلال ميزان القوة بين الطرفين، من الطبيعي ألا تكون التزامات كل منهما تجاه الآخر متناظرة.
ومع ذلك، يشدد الخبراء على أن إيران لا تزال تملك أدوات تأثير متقابلة، سواء كانت متناظرة أو غير متناظرة.
ويشير البعض إلى أن ما يحدث اليوم يذكر برؤية وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري الذي قال إن "إيران تقف على حافة الحلبة ويجب أن تبقى هناك"، بينما جاء الرئيس دونالد ترامب ليقحم إيران في مركز تلك الحلبة، عبر الزج بها في قلب المعادلة التفاوضية، لا مجرد طرف على الهامش.
وقال جواد بخشي، أستاذ العلاقات الدولية لـ"إرم نيوز"، إن إيران نجحت خلال العقود الخمسة الماضية، ورغم التهديدات الصلبة والناعمة والعقوبات المتعددة الأطراف والضغوط الدبلوماسية المكثفة، في تحقيق إنجازات استراتيجية في مجالات متعددة أبرزها التكنولوجيا النووية، الصناعات الدفاعية، العلوم والتقنيات، والنفوذ الإقليمي.
وأوضح بخشي أن تراكم هذه الإنجازات شكل نموذجاً بديلاً للقدرة في نظام دولي غير متكافئ.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة اضطرت للتعامل مع إيران النووية من زاوية محدودة وفنية، بعدما أيقنت أن طهران لا يمكن أن تُخضع بسهولة، لافتاً إلى أن العقوبات وجميع أدوات واشنطن لم تُجد نفعاً.
وأضاف: "حتى الآن الولايات المتحدة لم تستطع وقف تصدير النفط رغم تشديد العقوبات، ولهذا لم تعد طهران تهتم بمثل هذه القضايا وواشنطن أدمنت على العقوبات".
وتحدث بخشي عن تطور القدرات الدفاعية الإيرانية، وخاصة برنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة الدقيقة، معتبراً أنها مكوّن أساس في موازين الردع الإقليمي.
وحذر من أن المفاوضات النووية ليست مساراً لتخفيف التوتر بقدر ما تُستخدم كأداة ضغط مركبة لتقييد النفوذ الإيراني في ملفات أخرى.
واستطرد بأن واشنطن تدير المفاوضات ضمن مفهوم "إدارة الأزمات" وليس "حلها"، معتمدة على لعبة التعليق والتهديد بالانسحاب لتحجيم التحركات الإيرانية.
ويرى الخبير الاقتصادي "حميد رضا شاكري" أن العقوبات الأمريكية، التي طالما استخدمت كورقة ضغط على طهران، لم تعد تحقق النتائج المرجوة من قبل صناع القرار في واشنطن.
ويشير في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى أن إيران باتت تملك خبرة طويلة في إدارة تأثير العقوبات، بل واستطاعت تحويلها في كثير من الأحيان إلى فرصة لتقوية بنيتها الذاتية في مجالات متعددة.
ويؤكد الخبير أن "إيران لم تعد تتعامل مع العقوبات كأزمة طارئة بل كواقع دائم، ونجحت في تطوير آليات مقاومة اقتصادية وبنية دبلوماسية تستوعب هذه التحديات، ما أضعف بشكل واضح قدرة العقوبات على إحداث تغيير في السلوك السياسي أو الاستراتيجي لطهران".
ومن هذا المنطلق، يرى أن الخيار الأنسب – بل والوحيد – المتاح أمام الولايات المتحدة الآن هو التفاوض الجاد مع إيران، سواء حول الملف النووي أو حتى حول قضايا إقليمية أوسع.
ويضيف: "الإصرار على سياسة الضغط القصوى أثبت فشله، والمناخ الدولي والإقليمي يشير إلى ضرورة العودة إلى طاولة الحوار، ما تريده إيران واضح، هو الاعتراف بحقوقها النووية السلمية ورفع العقوبات مقابل التزامات متبادلة تضمن الشفافية والاحترام المتبادل".
ويختم الخبير الإيراني حديثه بالقول إن "تفاهمات جديدة بين طهران وواشنطن، إذا ما تمت بواقعية، قد تفتح الباب أمام تسويات أوسع في ملفات المنطقة، وتعيد ضبط التوازنات التي تضررت بفعل السياسات الأحادية".
من وجهة نظر المحلل السياسي محسن متقي، فإن السياق العام المحيط بالمفاوضات أهم من مضمون النصوص الدبلوماسية ذاتها.
فنجاح أي مسار تفاوضي يتطلب أدوات داعمة له خارج إطار التفاوض، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.
ويؤكد لـ"إرم نيوز"، أن مسألة إعادة التوازن إلى معادلة الحوار مع واشنطن ضرورة استراتيجية تم تعطيلها سابقاً، لكن يبدو أن الإدارة الأمريكية عادت إلى تفعيلها كجزء من ما وصفه بـ"خريطة طريق تكتيكية".
ويعتقد متقي أن "الهاجس الرئيس للإيرانيين ليس تفاصيل البرنامج النووي، بل العقوبات الاقتصادية"، معتبراً أن أي اتفاق لا يحقق انفراجة حقيقية في هذا المجال، "لا فائدة منه لإيران".
وعن استمرار واشنطن بفرض العقوبات، قال متقي: "ربما تريد واشنطن تحريك الشارع الإيراني والضغط على صانع القرار الإيراني بتقديم تنازلات بهدف الوصول إلى تسوية مع أمريكا بسبب تزايد معدلات الفقر والبطالة".