ذهب خبراء إلى أن المفاوضات "المعقدة" بين واشنطن وطهران للوصول إلى اتفاق نووي، باتت خاضعة لنظرية "العباءة والخنجر" التي يستعين بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع إيران، في ظل رفض الأخيرة التنازل عن التخصيب الداخلي، بالتزامن مع ممارسة أعضاء بالكونغرس ضغوطا شديدة على الرئيس الجمهوري، متمسكين بسرعة حسم الملف النووي.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن أحد مظاهر استعانة ترامب بهذه النظرية الخاصة بوزير الخارجية الأمريكي في سبعينيات القرن الماضي، هنري كيسنجر، التي تقوم على التفاوض السياسي تحت الضغط العسكري، تكمن في استمرار تهديدات واشنطن عبر إرسال حاملتي طائرات و6 قاذفات استراتيجية "بي 2" في قاعدة غارسيا، مع رفع عتاد قواتها إلى 40 ألف مقاتل هناك. وبينوا أن أزمة التخصيب تحوّل المفاوضات إلى ساحة ملاكمة في انتظار الفوز لصاحب الضربة القاضية.
بهلوانيات سياسية
وكان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، قد عبر مؤخرا عن رفض بلاده ممارسة "البلطجة" ضدها خلال المفاوضات النووية، في إشارة إلى تهديدات الولايات المتحدة، مؤكدا أن بلاده لن تخضع للضغوط الخارجية، رافضا ما وصفها بـ"البهلوانيات السياسية" حول البرنامج النووي الإيراني.
وكان المرشد الإيراني علي خامنئي قد أعلن رفضه المقترح الأمريكي الأخير بشأن البرنامج النووي الإيراني، معتبرا إياه غير منسجم مع "المصالح الوطنية" لإيران.
وتزامن ذلك مع اتهام الرئيس الأمريكي، إيران بـ"المماطلة" في ما يتعلق بالمباحثات الجارية مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي، مشددا على أنه يريد من طهران ردا نهائيا في وقت زمني قصير جدا، وأن بلاده لن تسمح لإيران بأي شكل من أشكال تخصيب اليورانيوم.
استراتيجية العباءة والخنجر
ويقول الخبير الاستراتيجي الدكتور محمد صالح الحربي، إن الترقب يحيط الجولة السادسة من المفاوضات بعد جولات عدة بين مسقط وروما وما زال الأمر في ظل وصول رسائل مسبقة يحمل تهديدات شديدة الخطورة لطهران.
وبين الحربي في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن هناك اختلافات فنية حول تخصيب إيران لليورانيوم بشكل مطلق، تظهر مع رد وزير الخارجية الإيراني في ظل التصريحات الأخيرة للمرشد علي خامنئي، بأن البرنامج لا بد أن يمضي بالتخصيب دون التنازل عن ذلك، في وقت يقع فيه ترامب تحت ضغط شديد من قبل أعضاء بالكونغرس يتمسكون بسرعة حسم الملف النووي لطهران.
وأضاف الحربي أن التهديدات سيدة الموقف بعد أن قامت واشنطن بإرسال حاملتي طائرات و6 قاذفات استراتيجية "بي 2" في قاعدة غارسيا مع رفع عتاد قواتها إلى 40 ألف مقاتل، وهي رسالة جادة باستخدام الولايات المتحدة نظرية وزير الخارجية الأمريكي الأشهر هنري كيسنجر في سبعينيات القرن الماضي "العباءة والخنجر" أي التفاوض السياسي تحت الضغط العسكري.
ويستبعد الحربي وجود مجال للتسويف في ظل عدم وجود إمكانية لرهان طهران هذه المرة على الوقت والمتناقضات وسط جدية الولايات المتحدة في التوصل إلى حلول حاسمة للملف النووي الإيراني.
وأردف الحربي، أنه لا خيار أمام إيران سوى الخضوع لمطالب الولايات المتحدة أو الانهيار، وهما الآن تحت تقدير وتقييم الموقف في ظل وجود موعد محدد لإنهاء المفاوضات وفي النهاية يجب التوصل إلى اتفاق.
حلبة ملاكمة
فيما يرى الخبير في الشأن الإيراني، أصلان الحوري، أنه على الرغم من كل هذه الصدامات والخطابات المتصاعدة بين ترامب والمسؤولين في طهران وعلى رأسهم المرشد، سيكون هناك نوع من التسوية في النهاية، تناسب طموح الطرفين.
وأوضح الحوري في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن أزمة التخصيب تحوّل المفاوضات إلى "حلبة ملاكمة" في انتظار الفوز لصاحب الضربة القاضية، مشيرا إلى أن الجانبين يتعاملان بهذه الصورة، حيث يرى ترامب أن عدم السماح بالتخصيب نقطة تفاوض حتى يكون هناك فرض في اللحظة الأخيرة من فشل التفاوض على التخصيب للسماح بأقل نسبة وتحت مراقبة وتفتيش أمريكي لذلك، في حين أن طهران تتعامل مع التخصيب على أنه الأداة التي لا تستطيع الاستغناء عنها سواء سياسيا أو تقنيا بالمشروع النووي، وأنها النقطة الفاصلة التي تتعلق بسيادتها.
ورقة التخصيب
وأشار الحوري إلى أن إيران لن تقبل بمنعها من التخصيب في الداخل، وأن يكون التخصيب في الخارج، لافتا إلى أن طهران تدرك أن السيطرة على برنامجها النووي والإمساك به في اتفاق مع الولايات المتحدة وحرق ورقة التخصيب سيفتح الطريق إلى التحكم الداخلي من واشنطن، لاسيما أن الاتفاق النووي ستترتب عليه مرحلة جديدة، تحمل إزالة عقوبات وإقامة علاقات اقتصادية واستثمارات أمريكية في الداخل.
ويؤكد الحوري أن التحكم في ورقة التخصيب والتنازل عن الأحقية في ذلك من جانب طهران يجعل الجانبين المتواجهين في الداخل سواء المحافظون الذين هم ضد الاتفاق والإصلاحيون الذي يجتهدون من أجل إبرام الاتفاق، يرون أن التوقيع بشروط ترامب ينزع عن طهران العديد من أدوات تعاملها في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، وفي الوقت نفسه، يجعلها غير متحكمة في اقتصادها الداخلي والاستثمار في قطاعاته الذي تراهن عليه بعد رفع العقوبات بالشكل الذي يعوّضها عن مرحلة فرضها.