أشعل تسريب مكالمة هاتفية بين مسؤول أمريكي رفيع المستوى ومستشارٍ روسي حول محادثات السلام في أوكرانيا، موجة من التكهنات حول هوية الشخص الذي سرب المكالمة ودوافعه.
وبحسب "وول ستريت جورنال"، فإن المكالمة، التي جرت بين المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف ويوري أوشاكوف كبير مساعدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أظهرت تفاصيل خطة سلام مؤلفة من 28 نقطة، اعتُبرت على نطاق واسع مواتية لموسكو؛ ما أثار انتقادات أوروبية واسعة، وكشفت عن فجوة واضحة بين نهج واشنطن وبروكسل في التعامل مع الصراع؛ إذ تبدو أوروبا أكثر تشددا.
وأشار مسؤول رفيع في إدارة ترامب إلى أن المكالمة يُعتَقد أنها سُرّبت من قبل وكالة استخبارات أجنبية، وأن الهدف لم يكن ويتكوف، بل أوشاكوف، الذي تم تسجيله أيضا في محادثة أخرى مع مبعوث آخر للكرملين، كيريل دميترييف.
وحاول دبلوماسيون ومحللون مستقلون الإجابة عن أسئلة أساسية: من لديه القدرة على التنصت على محادثة هاتفية بين كبار المسؤولين؟ ومن سيستفيد أكثر من تسريبها؟ وهل كان ذلك محاولة من وكالة استخبارات أوروبية لإحباط خطة تهدئةٍ تميل لمصلحة روسيا؟ هذا ما أشار إليه كبار المسؤولين الروس.
كما تساءل البعض عمَّا إذا كان التسريب روسيا داخليا من عناصر داخل الحكومة أو من الأوليغارشيين المستفيدين من استمرار الحرب؟ وهذا الرأي تبنّاه بعض المسؤولين الأوروبيين، وهناك احتمال آخر، وهو وجود عنصر من داخل أجهزة الحكومة الأمريكية يخشى أن يُدفع الرئيس ترامب أوكرانيا لتوقيع اتفاق يُرضي موسكو.
من جانبها صرحت خبيرة شؤون روسيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة "روسي" بلندن إميلي فيريس: "الجميع يحاول فهم الأمر، لقد كانت أسابيع فوضوية، وهذا يزيد من الغموض وانعدام الوضوح، وهناك شكوك في كلّ ما يصدر من جميع الدول".
وأكد مسؤول أمني أوروبي أن عشرات الدول لديها القدرة على الاستماع إلى مكالمات أوشاكوف، الذي كان يستخدم خط هاتف مفتوح، مرجحا أن يكون مصدر التسريب من إحدى الدول الأوروبية، مع عدم استبعاد تورّط روسيا بسبب الانقسامات الداخلية حول دور دميترييف.
ويعتقد مراقبون أن هذه المكالمة جاءت بعد أن بدأ ترامب في توجيه اللوم لموسكو على عرقلة إنهاء الحرب، واقترح ويتكوف على أوشاكوف أن يتصل الرئيس الروسي بترامب لإعادة إطلاق محادثات السلام، ووجهه لتقديم الثناء لترامب على خطة وقف إطلاق النار في غزة، وقد جرت مكالمة لاحقة بين ترامب وبوتين، انتهت بتحقيق موسكو مكاسب دبلوماسية؛ إذ رفض ترامب طلب أوكرانيا بالحصول على صواريخ "توماهوك" بعيدة المدى؛ ما وضع كييف في موقف دفاعي دبلوماسي.
وبينما لم يرَ ترامب أي خطأ في المحادثة، معتبرا إياها جزءا طبيعيا من المفاوضات، انتقد بعض النواب الجمهوريين دور ويتكوف واعتبروا أن المكالمة كشفت تقاربا مريبا مع الروس، ومن جهته، دافع مستشار أوكراني عن ويتكوف، مؤكدا أنه لا يلعب لمصلحة الكرملين.
من جهته قال أوشاكوف لشبكة تلفزيونية روسية: "من سرب المكالمة، يحاول على الأرجح التدخل في محادثاتنا مع الولايات المتحدة، ومن غير المرجح أن يكون الهدف تحسين العلاقات"، وأضاف أنه لا يعرف من وراء التسريب، مؤكداً أن الروس أنفسهم ليسوا مصدره، وانتقد أوشاكوف أيضا الدول الأوروبية التي أبدت اعتراضها على خطة السلام الأصلية، واصفا تدخلها بأنه "غير ضروري تماما".
وبحسب محللين فإن تسريب المكالمة ليس الأول من نوعه في ملفات أوكرانيا؛ ففي 2014، قبيل ضم موسكو لشبه جزيرة القرم، كانت هناك تسجيلات مسربة لمسؤولين أمريكيين تتعلق بقيادة الحكومة الجديدة في كييف؛ ما كشف حينها عن توترات بين واشنطن وأوروبا، واليوم، انعكس هذا الدور؛ إذ تتخذ أوروبا موقفا أكثر تشددا من الإدارة الأمريكية لمنع روسيا من استعادة قوتها العسكرية وتهديد أوكرانيا مرة أخرى أو اختبار حدود الناتو.
وفقا لفيريس: "بغض النظر عن من سرب المكالمة، فقد أضافت فوضى إضافية إلى مسار الحرب والدبلوماسية، وهو وضع مريح لروسيا، التي لا تبدو بحاجة للتحرك بسرعة"؛ خصوصا أن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي رياكوف أكد أن أهداف موسكو في عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا لم تتغير.