logo
العالم

خطة ترامب بشأن أوكرانيا "اختبار حساس" لنفوذ ألمانيا وفرنسا

المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ...المصدر: رويترز

في أحد أكثر ملفات النفوذ حساسية منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، يجد الثنائي الأوروبي ألمانيا وفرنسا أنفسهما أمام اختبار تاريخي يحدد شكل التوازن بين أوروبا والولايات المتحدة في إدارة أزمة تمتد من ميادين "خاركيف" إلى غرف القرار في واشنطن. 

وتتزامن التحركات الثنائية الأوروبية مع خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة للسلام التي وصفت في بعض العواصم الأوروبية بأنها "اتفاق مُلزم قبل أوانه"، والتي شهدت سباقاً سياسياً محموماً داخل القارة بعدما أدركت دول الترويكا أن واشنطن تتحرك وفق رؤية لا تمنح أوروبا الدور الذي تتوقعه في صياغة مستقبل الحرب. 

خلال الأيام الماضية، تحولت جنيف إلى ساحة اختبار حقيقي بعد وصول وفود أمريكية وأوروبية وأوكرانية رفيعة، بمن في ذلك وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ومستشارو الأمن القومي الفرنسي والبريطاني والألماني. 

وقدمت بريطانيا وفرنسا وألمانيا تعديلات واسعة على الخطة الأمريكية، شملت رفع عدد الجيش الأوكراني إلى 800 ألف جندي بدلاً من 600 ألف، وفتح ملف الأراضي من "خط التماس" لا من واقع السيطرة الحالية، إلى جانب ضرورة ضمانة أمنية أمريكية واضحة لكييف، وهي نقطة تضع واشنطن أمام التزام أكبر مما ترغب فيه. 

وعارضت أوروبا استخدام الأصول الروسية المجمدة في عمليات إعادة الإعمار، محذرة من أن ذلك قد يعرقل أي اتفاق نهائي أو مفاوضات مقبلة.

واعتبر وزير الخارجية الألماني أن جنيف شهدت نجاحًا هائلًا بعد قبول واشنطن إدخال تعديلات على المسودة، كما أكدت المفوضية الأوروبية أن التقدم "بنّاء لكنه غير كافٍ" لاستكمال الاتفاق.

التحركات الفرنسية الألمانية لم تقتصر على جنيف، إذ سبقتها لقاءات ثنائية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، إلى جانب اجتماعات عسكرية رفيعة المستوى بين وزراء دفاع البلدين.

هذه التحركات جاءت بعد أن غير ترامب مسار السياسات الأمريكية تجاه كييف من اليوم الأول لولايته؛ ما دفع العاصمتين إلى التفكير في صياغة منظومة أمنية جديدة تتجاوز الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة.

وسط إعادة طرح خطة ترامب للسلام في أوكرانيا، تبدو برلين وباريس أمام اختبار نفوذ حقيقي، إذ تجمع آراء الخبراء على أن الثنائي الأوروبي يسعى لفرض شروط مختلفة على المبادرة الأمريكية عبر الضغط على واشنطن وتقييد أي بنود تُفسر لصالح موسكو.

وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية الدكتور سمير أيوب، إن المبادرة الأمريكية التي طرحها الرئيس دونالد ترامب لإدارة الصراع الروسي الأطلسي في أوكرانيا أثارت «حالة هستيرية» داخل عدد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، التي قرأتها باعتبارها "صك استسلام" لصالح موسكو. 

وأضاف أيوب في حديث لـ "إرم نيوز" أن المبادرة ليست جاهزة للتطبيق بعد، خاصة مع إعلان الجانب الأمريكي أنها "قابلة للتعديل"، وهو ما يثير قلق موسكو من أي تغييرات قد تُفرض لصالح الأوروبيين أو حكومة كييف. 

وأوضح أن روسيا تراهن، بالتوازي مع مناقشة المبادرة، على التقدم العسكري في الميدان، حيث تواصل قواتها الضغط وتحقيق مكاسب في بعض بلدات زاباروجيا ودونيتسك.

وأشار المحلل السياسي إلى أن البنود التي تهم موسكو واضحة، الإقرار بسيطرتها على الأراضي التي ضمتها، ومنع انضمام أوكرانيا للناتو، ووقف استهداف الثقافة واللغة الروسية، وضمان حقوق الأوكرانيين الراغبين في علاقة تعاون مع روسيا. 

ويرى أيوب أن الكرة الآن في ملعب الرئيس ترامب، متسائلاً، هل سيضغط لتمرير مبادرته وإجبار كييف والأوروبيين على التفاوض مع موسكو؟ أو أنه قد يغير موقفه خلال أسبوع أو اثنين ويعيد صياغة بنود المبادرة، بما يعيد الأمور إلى نقطة الصفر؟

وأضاف أن إعادة طرح المبادرة في هذا التوقيت، مع تعديلات طفيفة، جاءت اعتمادًا على التقدم الروسي على الأرض، وأن ترامب يراهن على أن رفض كييف والدول الأوروبية لها سيؤدي إلى سيناريو أسوأ يتمثل في توسع السيطرة الروسية على مزيد من المناطق. كما أشار إلى أن فضيحة الفساد التي هزّت أوكرانيا مؤخرًا لم تكن بعيدة عن سياق الضغط على حكومة كييف.

من جانبه، أكد  الدكتور عبدالمسيح الشامي خبير العلاقات الدولية والمختص بالشؤون الأوروبية، أن القمة الأمريكية الأوروبية أظهرت بوضوح وجود رؤية مختلفة لدى الأوروبيين، وتحديداً دول الترويكا،  بريطانيا وفرنسا وألمانيا. 

وقال في حديث لـ«إرم نيوز»، إن هذه الدول كانت تعمل منذ البداية على إعداد خطة بديلة، أو إدخال تعديلات جوهرية على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وكشف الشامي حتى قبل صدور المواقف الروسية الأخيرة، كان يرى أن أوروبا غير جاهزة للتعامل مع المبادرة الأمريكية بالشكل الذي تريده واشنطن.

وتابع: "بعد الاطلاع على المبادرة تبين أن الأوروبيين لا يشعرون بأي مستوى من الرضا تجاهها، وأن كواليس السياسة الأوروبية تكشف عن عدم انسجام القارة مع الطرح الأمريكي؛ لأن المعادلة وفق المصالح الأوروبية غير محققة ولا تؤسس لتوافق فعلي".

وأشار الشامي، إلى أن الأوروبيين يريدون عمليًّا إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ودفع روسيا إلى التراجع داخل الأراضي الأوكرانية إلى حدود لا تقبل بها موسكو إطلاقًا. 

ولفت إلى أن روسيا لم تتراجع عن أي أرض سيطرت عليها، بل لديها رغبة أو خطط لتوسيع نفوذها في مناطق أخرى، وهو ما يجعل الفجوة بين الموقفين الروسي والأوروبي شاسعة.

وأوضح الشامي أن أوروبا تتمسك بأن تكون المبادرة مصحوبة بحماية أمريكية شبه كاملة لأوكرانيا، على غرار البند الخامس في ميثاق الناتو، بما يرغم الولايات المتحدة على التدخل مباشرة إذا حصل أي خرق للاتفاق. 

ووصف ذلك بالشروط التعجيزية؛ لأن واشنطن لن تقبل ببند يجعلها طرفًا مباشرًا في حرب مع روسيا، وهي التي لم تفعل ذلك طوال سنوات الصراع، فكيف في عهد ترامب؟

وأضاف أن روسيا بدورها لن تقبل بالتراجع عن أيٍّ من الأراضي التي سيطرت عليها؛ ما يجعل المبادرة الأوروبية غير قابلة للتطبيق، وهو ما أكده القادة الروس اليوم بوضوح.

ويرى الشامي أن أوروبا تسعى لإفشال مبادرة ترامب وإبقاء الحرب مشتعلة، لمنع أي تفاهم سياسي محتمل بين بوتين وترامب لا ينسجم مع الشروط الأوروبية. 

وقال  إبراهيم كابان مدير "شبكة الجيوستراتيجي للدراسات"، إن الاتحاد الأوروبي، ولا سيما فرنسا وألمانيا، تمتلكان قدرة مؤثرة وحقيقية في أي حوار يجري مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بشأن خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في أوكرانيا. 

وأشار في حديث لـ "إرم نيوز" إلى أن هاتين الدولتين بحكم ثقلهما السياسي والاقتصادي والعسكري داخل المنظومة الأوروبية، قادرتان على التأثير في مسار أي صيغة تفاوضية تطرحها واشنطن أو تُناقش مع موسكو.

أخبار ذات علاقة

اجتماع سابق بين ترامب وقادة أوروبا

وسط مطالبات بتمديد المهلة.. خلافات أمريكية أوروبية تربك خطة السلام في أوكرانيا

وتابع كابان أن التكاليف العسكرية والمالية الكبرى التي تتحملها باريس وبرلين لدعم أوكرانيا تمنحهما ثقلاً أكبر في تحديد شكل المواقف الأوروبية، وتزيد من أهمية دورهـما في أي قرار دولي يتعلق بالملف الأوكراني. 

وأضاف أن ألمانيا وفرنسا، إلى جانب بريطانيا، سيكون لها تأثير واسع على خطة ترامب وعلى المفاوضات الدائرة بين واشنطن وموسكو وكييف.

ولفت كابان إلى أن خطة ترامب ستشهد على الأرجح تعديلات أو تطويرًا في منهجية بعض البنود التي طرحها، بما يعكس موازين القوى الحالية ومصالح الأطراف المختلفة. 

وأكد أن ترامب لن يذهب إلى حد إغضاب أوروبا أو منح روسيا امتيازات تضر بالمصالح الأوروبية، لأنه يدرك أن دعم فرنسا وألمانيا عنصر أساسي في نجاح أي اتفاق، وأن لهما موقفًا مباشرًا ومؤثرًا في أي مفاوضات مقبلة. 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC