مقتل 5 جنود بتفجير انتحاري في شمال شرق نيجيريا
في قلب السياسة الأوروبية، يبدو أن أحزاب اليمين المتطرف في بروكسل وأوروبا الغربية أكثر جوعًا من أي وقت مضى للسلطة، ومستعدة لفعل أي شيء للفوز، حتى لو اقتضى الأمر ارتداء ربطة عنق وبدلة أنيقة.
فالصورة النمطية للمتطرف الغريب الأطوار ذي الملابس اللافتة قد ولت، وحلّ محلها قادة شبان يولون مظهرهم عناية، حيث يتابعهم الملايين على "تيك توك"، وخبراء سياسات يقدّمون خططًا معتدلة لإقناع الناخبين بالثقة بهم.
تحوّل اليمين المتطرف إلى الاحتراف
من لندن إلى برلين، يتجنب هؤلاء القادة الغداء الطويل المليء بالنبيذ، ويظهرون بمظهر السياسيين التقليديين أمام الكاميرات، مع الابتعاد عن الكرملين، لأن الصداقة مع فلاديمير بوتين لم تعد موضة هذه الأيام، وليس فقط على مستوى المظهر، بل أيضًا على صعيد التكتيكات السياسية، فقد أصبحوا أكثر حنكة.
شهدت السنوات الأخيرة تقدمًا كبيرًا لأحزاب اليمين المتطرف في السياسة الوطنية الأوروبية، مدفوعة بشكل رئيس بالرفض الشعبي للهجرة. واليوم، تتصدر هذه الأحزاب استطلاعات الرأي في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، وتولت السلطة في دول مثل إيطاليا وفنلندا وتشيكيا، مع برامج سياسية غالبًا ما تشمل ترحيل مئات الآلاف من المهاجرين.
على المستوى الأوروبي، حقق هؤلاء المتطرفون تقدمًا في البرلمان الأوروبي مؤخرًا عندما صوّت بعض نوابهم لصالح تخفيف قواعد المناخ، ما أثار قلقًا واسعًا لدى الأوساط السياسية.
والسؤال الأبرز هو ما إذا كان بإمكان هذه الأحزاب تحويل تقدمها في الاستطلاعات إلى مكاسب انتخابية فعلية، وهو ما يتوقف على مدى قدرتها على تنظيم عملياتها بطريقة احترافية حتى لو اقتضى الأمر استعارة أساليب النخبة التي كانت ترفضها.
ارتداء ربطة عنق والظهور بمظهر لائق
من أبرز وجوه اليمين المتطرف البريطاني، نايجل فاراج، الذي كان دائمًا مصدر إزعاج للاتحاد الأوروبي. ورغم أن الانتخابات لن تبدأ قبل 2029، إلا أن فاراج يستغل كل فرصة للظهور على الساحة السياسية، معتمدًا على صداقته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتعزيز مصداقيته الدولية.
في فرنسا، قامت مارين لوبان وقيادات حزبها "التجمع الوطني" بإطلاق استراتيجية صارمة للمظهر، تسمى "استراتيجية ربطة العنق"، بعد تحقيق اختراق تاريخي في البرلمان الوطني عام 2022. ويُعد جوردان بارديلا، رئيس الحزب الشاب، نموذجًا للمظهر الأنيق والمنسّق، الذي يجذب الناخبين ويعكس الاحترافية.
الاهتمام بوسائل التواصل الاجتماعي
تولي الأحزاب المتطرفة أهمية كبيرة لوسائل التواصل الاجتماعي. فعلى غرار بارديلا الذي يملك أكثر من 2.2 مليون متابع، يحرص فاراج والبلجيكي توم فان غريكن، على استخدام تيك توك للتواصل مع الناخبين، مع تحقيق بعض النجاح في هذا المجال.
لم يعد مظهر القادة وحده كافيًا، فالمشكلة كانت دائمًا في تصريحات السياسيين المتطرفة وسلوك بعض العناصر المتطرفة على الأرض. ولهذا، تبنت بعض المجموعات مثل "وطنيو أوروبا" نظامًا دقيقًا لفحص المرشحين قبل قبولهم، بما في ذلك مراجعة حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي والمقابلات الشخصية.
تباعد عن الكرملين واستقلالية سياسية
حزب "البديل من أجل ألمانيا" يبتعد عن أي ارتباطات محتملة بالكرملين، مع تعديل القواعد الداخلية لضمان ظهور الحزب بمظهر معتدل ومتحدّ. وأدى هذا إلى وقف بعض الرحلات المخطط لها إلى روسيا، فيما طُلب من نواب الحزب الالتزام بمدونة سلوك جديدة تُظهر الوحدة والاعتدال.
يعتبر العديد من اليمينيين المتطرفين مثل الإيطالية جورجيا ميلوني نموذجًا يُحتذى به، فهي نجحت في الوصول إلى السلطة مع الحفاظ على موقف صلب داخليًا، بينما تبنت سياسات معتدلة نسبيًا في الشؤون الدولية والاقتصاد، ما أكسب حزبها المصداقية داخل الاتحاد الأوروبي.
بالنسبة للعديد من المراقبين، التحوّل الملحوظ هو ليس اعتدالًا، بل احترافية في تقديم أجندة متطرفة بشكل أكثر فعالية. فاليمين المتطرف لم يخفف من حدّة أهدافه، بل أصبح أكثر تنظيمًا واحترافية، ما يجعله لاعبًا سياسيًا مؤثرًا على الساحة الأوروبية.
ولا يقتصر الأمر على تحول اليمين المتطرف إلى الاحتراف فحسب، بل إن السياسيين الوسطيين المحترفين يتبنون أفكار السياسة اليمينية المتطرفة أيضًا.
فعلى سبيل المثال الاهتمام المفاجئ لحكومة حزب العمال البريطانية، ذات التوجه اليساري الوسطي، بإعادة صياغة قواعد اللجوء لمكافحة المهاجرين غير الشرعيين هو محاولة مباشرة لمواجهة التهديد الانتخابي الذي يشكله فاراج.
كما أصبحت الهجرة الآن شاغلًا رئيسًا للمحافظين الوسطيين في جميع أنحاء أوروبا، حيث يسعى ميرتس في ألمانيا أيضًا إلى تشديد النظام تحت ضغط من حزب البديل اليمني المتطرف.