تسعى الصين لترسيخ موقعها كوسيط رئيس بين باكستان وأفغانستان، في خطوة تزيد من تهميش الهند عن عملية صنع القرار الاستراتيجي في جنوب آسيا.
ويأتي هذا التوجه ضمن جهود بكين المتسارعة لتوسيع الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني (CPEC) ليشمل الأراضي الأفغانية؛ ما يُمثل نقطة تحول حاسمة في التوازن الإقليمي.
وعلى الرغم من توقيع الصين والهند اتفاقا لاستئناف التجارة الحدودية عبر معبر "شيبكي لا" عقب زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي الأخيرة إلى نيودلهي، إلا أن هذا الانفتاح المحدود يعكس صورة سطحية للتقارب، بينما تكشف خطوات بكين غربا عن واقع أكثر تعقيدا.
وخلال زيارته الرسمية إلى باكستان في 21 أغسطس/آب، وبعد اجتماعاته رفيعة المستوى في الهند مباشرة، أعلن وانغ يي خططا لإطلاق "نسخة 2.0 من الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني".
وبرغم غياب إعلان رسمي بشأن إدماج أفغانستان في المشروع، فإن تركيزه على تسريع المرحلة الثانية، خصوصا في مجالات الزراعة والتعدين والمناطق الصناعية، يعكس نية بكين توسيع نطاق الربط الإقليمي وتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع إسلام آباد.
وتشير التقارير الأخيرة إلى أن الصين وباكستان وأفغانستان اتفقت على توسيع المشروع ليشمل الأراضي الأفغانية، بعد سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى في كابول وبكين.
وتطمح الصين إلى إنشاء ممر استراتيجي يمتد من إقليم شينجيانغ وصولًا إلى ميناء جوادر، ومنها إلى أفغانستان؛ ما يعزز منطقة نفوذ متصلة ويُقصي الهند من مسارات التجارة الحيوية، وفقا لموقع "ذا تريبون إنديا" الهندي.
يمر المشروع عبر الجزء الخاضع لباكستان من كشمير، وهو ما تعتبره نيودلهي انتهاكا مباشرا لسيادتها؛ ودائما ما تعترض الهند على الممر ووصفت توسعه ليشمل أفغانستان أو دخول أطراف ثالثة بأنه "غير مقبول"، مؤكدة أن ذلك يمثل خرقا لوحدة أراضيها.
يمتد تأثير المشروع إلى الجانب الأمني، حيث يُرجح أن ترافقه بنية تحتية عسكرية وحماية صينية للمواطنين والمنشآت ضد هجمات الجماعات المتطرفة؛ وهذا يعزز التحالف العسكري الصيني–الباكستاني ويُهدد الهند التي تواجه تحديات بالفعل على حدودها الغربية والشمالية.
وفي المقابل، ورغم حصول بكين على وعود من طالبان بعدم استهداف استثماراتها، تبقى المخاطر قائمة مع تكرار الهجمات على المواطنين الصينيين وسهولة اختراق طرق الممر.
وبينما تعمل الهند على تعزيز بدائلها مثل ميناء تشابهار في إيران و"ممر الهند–الشرق الأوسط–أوروبا"، فإن هذه المبادرات تبدو محدودة التأثير مقارنة بعرض الصين السخي للبنية التحتية والضمانات الأمنية.
وذكر متخصص في الشؤون الآسيوية لموقع "ذا تريبون إنديا" أنه، ومع ميل كابول المتزايد نحو المحور الصيني–الباكستاني، يواجه المشروع الهندي خطر التراجع وربما الإهمال.
وفي بادرة إيجابية، وافقت الصين مبدئيا على إعادة فتح معبر شيبكي لا التجاري في هيماشال براديش، بعد إغلاقه منذ عام 2020؛ حيث تُعيد الخطوة جزءا من التبادلات التاريخية عبر الهيمالايا، لكنها تبقى رمزية مقارنة بطموحات بكين الإقليمية الكبرى.
في نهاية المطاف، لا يُعد توسيع الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني مجرد مشروع تنموي، بل هو مناورة جيوسياسية تهدف إلى تعزيز النفوذ الصيني، وتقويض موقع الهند، وإضفاء شرعية على "انتهاكات السيادة" في كشمير على حد وصف نيودلهي".
وهكذا، يتحول الممر إلى أداة استراتيجية تُعيد رسم خريطة التوازنات في جنوب آسيا، واضعةً الهند أمام تحدٍ إقليمي متنامٍ.