سجّل الريال الإيراني انهيارًا غير مسبوق، متجاوزًا حاجز 1.2 مليون ريال للدولار، في مؤشر صارخ على حالة الاختناق الاقتصادي التي تعيشها البلاد، في وقتٍ تتسارع فيه الضغوط الدولية على إيران.
وبحسب "المونيتور"، فإن هذا السقوط المتسارع للعملة لا يأتي بمعزل عن أزمة أوسع، حيث تتداخل العقوبات المتصاعدة، والإجراءات المالية المتخبطة، وأزمة مياه وطاقة تتفاقم بصورة تهدد القدرة الأساسية للدولة على الاستمرار في تلبية احتياجات مواطنيها.
فمنذ إعادة فرض العقوبات الدولية في سبتمبر، انزلق الريال في مسار هبوطي حاد بعد أن كان قد تخطى مستوى المليون للدولار لأول مرة في أغسطس، كما أن الإجراءات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ يناير عززت هذا المسار، خصوصًا مع إحياء حملة "الضغط الأقصى" التي ضربت الصادرات النفطية وشبكات التمويل الإيرانية.
ومع أن العملة تعاني منذ 2018، فإن ما بعد حرب يونيو 2025 بين إيران وإسرائيل فاقم هشاشة الاقتصاد، في ظل تضخم متسارع وتآكل القدرة الشرائية لعموم الإيرانيين.
ويرى الخبراء أن النتيجة كانت تضخمًا مرهقًا، حيث سجّل قطاع الغذاء والمشروبات ارتفاعًا تجاوز 66% خلال عام واحد، بينما ارتفعت أسعار السلع والخدمات بنسبة 50% مقارنة بالعام الماضي، ومع تراجع الاحتياطي النقدي وتقلص قدرة الدولة على توفير العملة الصعبة، عاد الجدل حول إصلاحات مؤلمة، مثل خفض الدعم أو إلغائه، وهو ما بدأ بالفعل عبر تقليص دعم الديزل ووقف جزء من التحويلات النقدية لنحو 20 مليون شخص، وهذه الخطوات أثارت اعتراضات نيابية وخشية من اضطرابات اجتماعية جديدة، على غرار احتجاجات 2019 التي قُمعت بعنف.
لكن ما يجعل الأزمة مختلفة هذه المرة هو أن الانهيار المالي تزامن مع أزمة مائية - طاقية غير مسبوقة؛ فبعد سنوات من الجفاف وسوء إدارة الموارد، وصلت مستويات المياه في السدود المغذية لطهران إلى مستويات حرجة دفعت الرئيس مسعود پزشكيان للتحذير من "كارثة" تهدد العاصمة.
بدورها، لوّحت الحكومة بإجراءات ترشيد قاسية وربَّما نقل العاصمة نفسها إذا لم تهطل الأمطار قبل نهاية العام، في وقت بدأت فيه بعض الأحياء تشهد انقطاعات ليلية للمياه، خصوصًا أن أزمة المياه لم تضرب حياة السكان فحسب، بل شلّت أيضًا قطاعات إنتاجية، بعدما تسبب تراجع منسوب السدود في توقف محطة "كرخَة" الكهرومائية مؤخرًا عن العمل، مفاقمة أزمة الطاقة المزمنة في البلاد.
ويعتقد مراقبون أن محاولات التهدئة التدريجية، من ضخ 500 مليون دولار في سوق الصرف إلى خطط حذف 4 أصفار من العملة، لم تغيّر المسار العام، وحتى التغيير الوزاري بإقالة وزير الاقتصاد السابق عبد الناصر همتي، لم يعالج المعضلة الأساسية: اقتصاد مثقل بعقوبات خانقة، وبنى تحتية متهالكة، وأزمات بيئية تتسارع بوتيرة تفوق قدرة الدولة على إدارتها.
وبينما تحاول طهران احتواء الأزمة داخليًا، يترقب الإيرانيون ما إذا كانت موجة الانهيار المالي وندرة المياه ستدفع البلاد إلى لحظة اختبار تتجاوز الأدوات التقليدية للدولة، في وقت باتت فيه كل أزمة تُسرّع انفجار الأخرى، وتدفع إيران نحو مستقبل غامض ومفتوح على احتمالات أكثر قسوة مما عاشته في العقد الماضي.