بينما تسعى موسكو لتعزيز موقفها الاستراتيجي في مواجهة الغرب، تتباين التقديرات حول فاعلية العقوبات، إذ يؤكد خبراء أن هذه الإجراءات ساهمت في تعزيز اقتصاد روسيا وزيادة اعتمادها على الذات.
ويرى الخبراء أن العقوبات كبدت أوروبا خسائر كبيرة انعكست على أسعار الطاقة والحياة اليومية للمواطنين.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين قالت إنها ناقشت مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حزمة أوروبية جديدة ستكون التاسعة عشرة من نوعها منذ اندلاع الحرب، وستركز على العملات المشفرة والبنوك وقطاع الطاقة.
ويتزامن ذلك مع مطالبات ترامب لحلفائه للتوقف عن شراء النفط الروسي قبل مطالبة واشنطن بالمزيد من العقوبات، كما دعاهم إلى فرض رسوم جمركية على الصين، في إشارة إلى أن المواجهة مع موسكو لا تنفصل عن الصراع الاقتصادي الأكبر مع بكين.
وذهب مدير شبكة الجيوستراتيجي، إبراهيم كابان، في تحليله إلى أن "الرئيس الأمريكي بدا وكأنه استوعب الذهنية الروسية القائمة على الخداع"، مشيرًا إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رغم إظهار رغبة علنية في بناء علاقات وإيجاد حلول لأزمة أوكرانيا، يسعى في الواقع إلى إبعاد واشنطن عن دعم كييف ليتمكن من عزل أوروبا والانفراد بها.
وقال كابان في حديث لـ"إرم نيوز"إن الولايات المتحدة ستعود خلال المرحلة المقبلة لتعزيز موقفها الداعم للأوروبيين، مشيرًا إلى أن ذلك قد يتجسد في فرض عقوبات جديدة على روسيا.
ويتوقع كابان أن تكون هذه العقوبات مختلفة من حيث التأثير الاستراتيجي العميق، على عكس ما يشاع عن محدودية فاعليتها، موضحًا أنها تمثل عمليًا تقليصًا إضافيًا للحضور الروسي في الأسواق الدولية، سواء على مستوى الاستيراد والتصدير، أم من خلال تعطيل التحركات الاقتصادية التي تمول المجهود الحربي في أوكرانيا.
في مقابل ذلك، اعتبر د. ميرزاد حاجم، أستاذ العلاقات الدولية وعضو مركز البحوث العلمية والتطبيقية والاستشارية في روسيا، أن العقوبات الغربية المفروضة على موسكو لم تحقق أهدافها، بل جاءت بنتائج عكسية.
وقال حاجم لـ"إرم نيوز" إن آلاف العقوبات التي فرضت على روسيا منذ سنوات لم تُضعف اقتصادها كما كان متوقعًا، بل أسهمت في تقويته وزيادة اعتماده على الذات، سواء في مجال التصنيع أم التوظيف الداخلي.
وأضاف أن السوق الروسية باتت أكثر حيوية، وتخدم مواطنيها بشكل مباشر، بينما واصلت المنتجات الروسية حضورها في الأسواق العالمية عبر شركاء جدد مثل الصين والهند، بعد تراجع الشركات الأوروبية.
وأكد حاجم أن أوروبا كانت تستورد من روسيا بدافع الحاجة لا الشراكة، وهو ما يفسر استمرار هيمنة موسكو على أسواق الطاقة والمعادن والنفط والقمح والسلع الاستراتيجية، إضافة إلى مجالات البحوث الفضائية التي لم تصلها العقوبات بصورة كاملة.
وتابع: "روسيا لم تخسر من هذه المواجهة، بل ربحت، بينما تكبدت أوروبا خسائر كبرى انعكست في شكل تضخم وارتفاع غير مسبوق في أسعار الطاقة، ما جعل مواسم الشتاء أكثر قسوة على المواطنين الأوروبيين".
وأضاف أن الضغط الاقتصادي ارتد سلبًا على الداخل الأوروبي وأسهم في تفاقم التوتر العالمي نتيجة الكساد وغلاء الطاقة.
وتساءل حاجم: "لماذا لا يجلس الأوروبيون وترامب إلى طاولة واحدة لبحث تسوية سياسية استراتيجية في قلب أوروبا الشرقية بدلًا من التلويح بمزيد من العقوبات؟".
وأكد حاجم أن روسيا سترد سريعًا على أي عقوبات جديدة، وأن المتضرر الأكبر سيكون المواطن البسيط لا الحكومات.
وأشار إلى أن "التهديد بالعقوبات أو القوة العسكرية لم يعد مجديًا مع روسيا، باعتبارها دولة نووية كبرى، والحل الوحيد يكمن في التفاوض المباشر لإنقاذ الاقتصاد العالمي"، لافتًا إلى أن موسكو تمتلك احتياطيات ضخمة من الذهب وميزانيات بديلة تعزز من قدرتها على الصمود أمام أي ضغوط جديدة.