في خطوةٍ غير مسبوقة، أعلنت الدنمارك عن تعزيز ترسانتها العسكرية بإضافة صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة هجومية، معلنة بذلك خروجها من استراتيجيتها الدفاعية التقليدية، لتصبح في قلب حسابات الردع ضد روسيا.
وكشفت وكالة "بلومبيرغ"، أن القرار، الذي وصفته رئيسة وزراء الدنمارك ميتا فريدريكسن خلال مؤتمر صحفي عاجل حضره وزيرا الدفاع والخارجية، بأنه “تحوّل جذري”، ليس مجرد مسألة تقنية أو عسكرية، بل يمثل اختبارا لمستوى المخاطرة التي يمكن لدولة صغيرة مثل الدنمارك أن تتحملها أمام قوة عظمى، مؤكّدةً أن الهدف يبقى تجنب الحرب، مشيرة إلى أن القرار جاء بناءً على توصيات الجيش وتقييمه للتهديدات الحالية.
ويرى الخبراء أن هذه الخطوة تعكس تحوّلا استراتيجيا من الاعتماد على الدفاعات التقليدية إلى تبني قدرات هجومية تستهدف تعزيز الردع ضد روسيا، كما أن الدفاع الدنماركي سيتوسَّع ليشمل ليس حماية الأجواء المحلية فحسب، بل أيضا القدرة على مواجهة التهديدات في مناطق أبعد، وفق ما أكده وزير الدفاع ترويلس لوند بولسن؛ إذ أكد أن إضافة هذه الأنظمة إلى الدفاعات الجوية الأرضية تعزز قدرة البلاد على الرد بشكل استباقي على أي اعتداء محتمل.
وبحسب مصادر مطّلعة فإن الخطوة تأتي بعد الهجوم الروسي على مقر الحكومة الأوكرانية في كييف، إضافةً إلى التسلُّلات المتكررة للطائرات الروسية المسيرة إلى بولندا، والتي وصفها الأمين العام لحلف الناتو مارك روته بأنها ليست “حادثة معزولة”.
كما أن هذا السياق العسكري والسياسي يعكس الحاجة الملحة لتعزيز قدرات الردع داخل حلف الناتو، بما يضمن حماية الأعضاء الأوروبيين في مواجهة التصعيد الروسي المستمر.
وتأتي هذه التطورات في إشارة إلى تخصيص الدنمارك نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع، مع خطة لرفع النسبة إلى 5% بحلول 2035، بما يتماشى مع أهداف الناتو الجديدة. ومن المتوقع أن تمول الحكومة الأنظمة الجديدة من الموارد القائمة، مع الأخذ في الاعتبار سرعة توفر الأسلحة المطلوبة.
وهذا القرار الدنماركي يضع كوبنهاغن في موقع حساس ضمن تحالف الناتو؛ إذ يعكس التزام البلاد بالتصدي للتوسع العسكري الروسي، ويعزز موقفها في النقاشات الاستراتيجية الأوروبية والأطلسية، وفي الوقت نفسه، يفتح هذا التحول المجال لمزيدٍ من التعاون العسكري مع الحلفاء الأوروبيين، سواء عبر التدريب المشترك أو تبادل المعلومات الاستخباراتية حول التهديدات الروسية.
بهذا التحول، تتجه الدنمارك تدريجيا من دولة دفاعية إلى محور أساسي ضمن منظومة الردع الأوروبية؛ ما يضعها في قلب الحسابات العسكرية والسياسية والأمنية الإقليمية، ويبرز أهمية استعدادها لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة في أوروبا الشمالية، لكنه في المقابل يفتح أيضا باب تساؤلات حول كلفة المخاطرة لدولة صغيرة في مواجهة قوة عظمى.