أسهم دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنح المرشح المحافظ غير المعروف كارول ناوروكي دفعة حاسمة في سباق الانتخابات الرئاسة البولندية التي شهدت إقبالًا هو الأعلى منذ سقوط الشيوعية في البلاد.
ورغم فوز ناوروكي بالاستحقاق الرئاسي بفارق ضئيل، فإن صورة واحدة له مع ترامب في المكتب البيضاوي كانت كفيلة بتعزيز صورته كزعيم يتمتع بثقل دولي.
ومع تراجع شعبية التيار المحافظ في الغرب بدت بولندا استثناءً لافتًا في هذا المشهد، بعد أن أسهم دعم ترامب المباشر وغير المباشر، في ترجيح كفة مرشح لا يزال في طور بناء هويته السياسية، وسط قلق بولندي متصاعد من مستقبل الأمن الإقليمي وتراجع دور أوروبا في مواجهة التهديد الروسي.
وشهدت الانتخابات أكبر نسبة إقبال من الناخبين البولنديين في سباق رئاسي منذ تخلص البلاد من الشيوعية في عام 1989. وبعد نهاية مثيرة، فاز ناوروكي بهامش ضئيل، وحصل على دعم من 50.89% من أصوات الناخبين.
وقال جاك روبنيك، الخبير في شؤون أوروبا الوسطى والشرقية وأستاذ في معهد باريس للدراسات السياسية لصحيفة "وول ستريت جورنال": "إذا كانت لديك انتخابات متقاربة إلى هذا الحد ــ وخاصة مع مرشح غير معروف على الإطلاق ــ فإن الدعم الأمريكي يشكل جزءًا مهمًّا من بناء المصداقية... كشخص قادر على تمثيل البلاد على الصعيد الدولي".
استخدم العديد من الناخبين الانتخابات للتعبير عن استيائهم من الائتلاف الحاكم الحالي، برئاسة رئيس الوزراء دونالد توسك، والذي يكافح من أجل معالجة ارتفاع الأسعار والوفاء بالوعود الانتخابية التي أوصلته إلى انتخابه في عام 2023.
من جانبه، قال باول تشودزيكي، رئيس مكتب واشنطن لشركة ميلر كانفيلد بادوك آند ستون للمحاماة، والذي مثّل أيضًا وزارة الدفاع البولندية في حكومة القانون والعدالة السابقة: "هناك فهم راسخ في بولندا بأن الولايات المتحدة كانت حاضرة في أهم لحظاتها، لذا هناك احترام مختلف يكنّه البولنديون للولايات المتحدة". وأضاف: "لا يُنظر إلى هذا على أنه تدخل، بل انعكاس لمن يتولى السلطة في البيت الأبيض حاليًّا".
وترى "وول ستريت جورنال"، أن ناوروكي، الذي فاز بفارق أقل من 400 ألف صوت، استفاد من جهود حزب القانون والعدالة لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وترامب، والتي تعود إلى فترة الولاية الأولى لترامب.
خلال الجزء الأكبر من حياته المهنية، كان ناوروكي مؤرخًا يعمل في المتاحف والمعاهد الحكومية البولندية، في جدانسك، أحد المواقع الأولى للغزو النازي لبولندا في عام 1939، ثم في معهد الذكرى الوطنية في البلاد، المخصص للتحقيق في جرائم النازيين والشيوعيين ضد الأمة البولندية خلال القرن العشرين.
وسعى ناوروكي إلى الاستفادة من خبرته كملاكم هاوٍ لصقل صورته كسياسي قوي. لكن في استطلاع رأي أُجري بعد وقت قصير من اختياره من قِبَل حزب القانون والعدالة للسباق الانتخابي، لم يعرفه سوى 39% من المشاركين.
وقالت الصحيفة، إن ناوروكي اتخذ مواقف يمينية أثناء ترسيخ مكانته السياسية، حيث دعا إلى تجريم الإجهاض على نطاق واسع، وعارض اتحادات المثليين جنسيًّا، وألقى نسخة من الرواية المصورة "Gender Queer" في آلة التقطيع أثناء فعالية انتخابية.
وأضافت: "عندما تم إقصاء حزب كونفيدرآسيا اليميني، في الجولة الأولى من التصويت، تحرك ناوروكي بسرعة للتوقيع على برنامج أهداف الحزب التي تضمنت عدم إرسال قوات بولندية إلى أوكرانيا، وإبقاء كييف خارج منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)".
لكن دعم واشنطن له منحه مستوى جديدًا من المصداقية. فعندما عقد مؤتمر العمل السياسي المحافظ - منظمة مناصرة محافظة مقرها الولايات المتحدة- اجتماعه الأول في وارسو الأسبوع الماضي، أعلنت وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية كريستي نويم دعمها، قائلةً إن ناوروكي هو الرئيس القادم لبولندا.
في اليوم نفسه، زعمت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، دون تقديم أدلة، أن خصم ناوروكي، عمدة وارسو، رافال ترزاسكوفسكي، قد يستفيد من أموال غير مشروعة، ملمحة إلى أن الاتحاد الأوروبي يلتزم الصمت حيال الأمر لأنه يخدم مصالحه. ونفى ترزاسكوفسكي تلقيه أي تمويل غير مشروع.
لكن أهم دعم جاء من ترامب نفسه. فعقب اجتماع عُقد في الأول من مايو/أيار بين ترامب وناوروكي في المكتب البيضاوي، نشر البيت الأبيض صورًا للرجلين تُظهرهما يبتسمان جنبًا إلى جنب، ويرفع كل منهما إبهامه للكاميرا.
وقال ميلان نيك، الباحث البارز في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية: "من بين كل ما خرج من واشنطن، كانت الصورة مع ترامب هي الأكثر أهمية بالنسبة لناوروكي - لجعله يبدو موثوقًا".
ويرى الكثيرون في بولندا، أن واشنطن هي الحليف التاريخي الأكثر أهمية للبلاد ــ بدءًا من الرئيس السابق وودرو ويلسون الذي دعا إلى إنشاء دولة بولندية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، إلى دعم الرئيس السابق رونالد ريغان لحركة التضامن البولندية التي حررت البلاد من قبضة الشيوعية خلف الستار الحديدي.