توقع تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية ظهور منافسة أشد ضراوة بين تركيا وإسرائيل، في أعقاب الحرب الإيرانية الإسرائيلية، التي رأت الصحيفة أنها أعادت رسم ميزان القوى في الشرق الأوسط.
وبحسب التقرير، فإن إسرائيل، التي ازدادت جرأةً، تسعى لإعادة تشكيل المنطقة، في حين يسعى النظام الإيراني الضعيف للبقاء، بينما الولايات المتحدة مُترددة في الانجرار إلى صراع طويل الأمد.
وقد عبّر وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، مؤخرًا، عن المزاج الجديد في أنقرة، قائلاً في قمة منظمة التعاون الإسلامي: "لا توجد مشكلة فلسطينية أو لبنانية أو سورية أو يمنية أو إيرانية، ولكن من الواضح أن هناك مشكلة إسرائيلية".
ورأى التقرير أن هذا الشعور يعكس تحولًا في التفكير التركي بشأن مكانة إسرائيل في المنطقة، فبعد أن كانت حليفًا، ثم منافسًا، يُنظر إليها الآن بشكل متزايد على أنها خصم صريح.
وتشعر أنقرة بعدم الارتياح لهوية إسرائيل الجديدة كقوة مهيمنة في المنطقة، وهو دور طالما طمح إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحسب الصحيفة.
واتهم دولت بهجلي، الحليف الرئيسي لأردوغان، إسرائيل مؤخرًا بمحاولة "محاصرة الأناضول" وزعزعة استقرار تركيا.
ولم يعد هذا التفكير، الذي كان محصورًا في عناوين الصحف الصفراء، هامشيًا داخل البيروقراطية التركية ووسائل الإعلام الرئيسية.
ونوهت الصحيفة إلى أن إسرائيل تجسّد صورة مطابقة لهذا الهوس، حيث تنظر قطاعات من المؤسسة الأمنية بشكل متزايد إلى النفوذ التركي الإقليمي كتهديد طويل الأمد "أخطر من إيران".
وأثار دعم أردوغان العلني لحماس ردود فعل حادة من حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مما أثار تراشقاً لاذعاً بالاتهامات، وغذّى التواصل الإسرائيلي مع الأكراد السوريين، الذين لطالما اعتبرتهم أنقرة تهديداً.
وفي منطقة غير مستقرة أصلاً، قد يفاقم صراع بين اثنين من أقوى جيوش المنطقة، وكلاهما حليفان للولايات المتحدة، من تآكل توازن القوى الهش.
ووفقا للصحيفة، فإن الصراع أيديولوجي وجيوسياسي، فقد دمجت حكومة أردوغان الشعبوية الإسلامية السنية مع القومية التركية، التي تجسدت في برنامجه "قرن تركيا" الذي يَعِد ببدء حقبة من القوة التركية في الخارج.
وفي إسرائيل، يتبنى ائتلاف يميني متطرف رؤية حاسمة بنفس القدر لمصير إسرائيل، ويسعى إلى الهيمنة العسكرية في لبنان وغزة وسوريا. وهذه الرؤى العالمية المتنافسة لا تترك مجالاً كبيراً للتسوية.
وقالت الصحيفة إن سوريا هي الساحة الأكثر إلحاحًا للمواجهة بين إسرائيل وتركيا، فمنذ انهيار نظام بشار الأسد أواخر عام 2024، سعى كلا البلدين إلى تشكيل نظام ما بعد الحرب.
وأشارت الصحيفة إلى أن تركيا وسّعت نفوذها في سوريا، داعمة حلفاءها الذين يتولون السلطة حاليًا، ومطالبةً بحكومة مركزية مستقرة ومتحالفة مع أنقرة.
وتسيطر تركيا بالفعل على مساحات شاسعة من شمال سوريا، وهي حريصة على توسيع نطاق نفوذها الاقتصادي والعسكري في جميع أنحاء البلاد.
في غضون ذلك، كثّفت إسرائيل غاراتها الجوية وأعربت عن دعمها للحكم الذاتي للأكراد والدروز، وتنظر بريبة إلى حكام سوريا الجدد نظرًا لجذورهم المتشددة.
وبلغت التوترات ذروتها في أبريل/نيسان عندما قصفت إسرائيل موقعًا كان مخصصًا لقاعدة تركية. وهناك الآن خط ساخن عسكري، لكن المشاركة الدبلوماسية الأوسع مجمدة.
واستخلصت تركيا استنتاجاتها الخاصة من حرب إيران، إذ يُعدّ استئصال إسرائيل للقيادة العسكرية الإيرانية تذكيرًا صارخًا بتفوق قوتها الجوية وقدراتها الاستخباراتية. وتتحرك أنقرة الآن لمعالجة نقاط ضعفها.
وتعتقد الصحيفة أن على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يستغل علاقته الجيدة مع كلٍّ من نتنياهو وأردوغان لإدارة هذه المواجهة.
وقد يُسهم إنهاء حرب غزة في تخفيف حدة المواجهة، لكن من غير المرجح أن يتلاشى التنافس طويل الأمد بين البلدين.
وختمت الصحيفة بالقول: "مع إضعاف إيران، يجب على واشنطن إدراك أن الاختبار التالي للشرق الأوسط قد يأتي من التنافس بين اثنين من أقرب شركائها".