الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
تتحول الزيارة المحتملة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الصين إلى اختبار مزدوج: داخلي لرئيسٍ يواجه تحديات على الصعيد السياسي في واشنطن، وخارجي لصورة الولايات المتحدة على الساحة العالمية.
وذكرت مصادر خاصة لـ"إرم نيوز"، أن من شأن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الصين إن تمت، أن تساهم في تخفيف حدة التوترات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وزيادة الاستثمارات في كلا البلدين، ومعالجة قضية الرسوم الجمركية.
وأشارت الباحثة في الشؤون الصينية والآسيوية الدكتورة تمارا برّو، لدى حديثٍ خاص لـ"إرم نيوز"، إلى أن هناك العديد من الملفات بما فيها فول الصويا، وقضية الفنتانايل والأشخاص الأمريكيين المحتجزين في الصين والذين كانت تطالب بهم إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، والعديد من الملفات العالقة بين الجانبين بما فيها قضية تايوان، وقضية بحر الصين الجنوبي، وقضية الرقائق الإلكترونية.
وأكدت برّو أن الإجراءات التي تقوم الولايات المتحدة الأمريكية باتخاذها عن طريق تقييد تصدير الرقائق الإلكترونية المتطورة إلى الصين، أيضًا قضية تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع تايوان وبحر الصين الجنوبي، لطالما أثارت حفيظة بكين، ولذلك فإن الرئيسين لدى لقائهما سيناقشان هذه المسائل، ولكن أهم ما يمكن الاتفاق عليه هو عقد صفقات تجارية بين البلدين.
وفي السياق يعتمد نجاح الزيارة على إبرام صفقات اقتصادية ضخمة ضمن جدول الأعمال، بحسب مصادر مطلعة على المفاوضات تحدثت إلى "ساوث تشاينا مورنينغ بوست".
وقالت المصادر إن المفاوضات بشأن الزيارة وصلت إلى “المرحلة النهائية”، مع حلِّ معظم العقبات الرئيسية، وإن “الصفقات الاقتصادية، بما في ذلك شراء الصين لطائرات بوينغ، وفول الصويا، تشكل جزءًا أساسًا من نتائج الزيارة المحتملة”.
من جهته أضاف أحد المصادر أن الدعوة الرسمية التي أرسلتها بكين، في الأسبوع الأول من سبتمبر، تُشير إلى أن الزيارة “مؤكدةٌ إلى حدٍّ كبير” وأن التخطيط لها في “مرحلةٍ متقدمة جدًا”.
وتُشير المصادر إلى أن برنامج الزيارة قد يشمل تجربة ترامب لركوب القطار فائق السرعة بين بكين وشانغهاي، وهو ما تراه بكين فرصة لإبراز إنجازاتها الاقتصادية والتكنولوجية أمام العالم، وفي الوقت نفسه، يدرس الجانب الأمريكي هذه الخطوة بحذر؛ خشية أن يُنظر إليها على أنها تنازل سياسي أمام بكين، أو أنها مرهقة للرئيس البالغ من العمر 79 عامًا.
وفي معرض حديثها بشأن تجربة ترامب المتوقعة لقطار بكين فائق السرعة، كشفت برّو أن "الجميع يعلم أن الصين أكثر تقدمًا في البنى التحتية من الولايات المتحدة الأمريكية وأعتقد أن واشنطن تسعى إلى تطوير بنيتها التحتية كي تصبح متقدمة أكثر على بكين"
مضيفةً أنه "مع ذلك، فإن ركوب ترامب في قطار شانغهاي قد يميل أكثر ليكون علامةً على تهدئة الأمور مع الولايات المتحدة أكثر من كونه اعترافًا بالنفوذ الصيني على الأمريكي؛ إذ في المقابل ستستقبل الصين الرئيس ترامب استقبالاً حاراً، إذا ما استمرت العلاقات بين البلدين بشكل إيجابي، نظرًا لأن هناك مصالح متبادلة بين البلدين".
وذكرت برّو أنه رغم أن الصين، اليوم، أصبحت متطورة ومتقدمة جداً لدرجة أنها تنافس الولايات المتحدة الأمريكية وتتفوق عليها في بعض المجالات وتسعى إلى انشاء عالم متعدد الأقطب أو ثنائي القطب، لكن ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية إلى اليوم هي القوة المهيمنة على العالم.
وتأتي هذه التطورات بعد الجولة الرابعة من المفاوضات التجارية في مدريد، والتي أسفرت عن إطار عملٍ بشأن تطبيق تيك توك، كما شمِلت مناقشة المعادن الإستراتيجية وقضايا مثل الفنتانيل.
ووفقًا للمصادر، هناك إرادة سياسية قوية من الجانبين لإنجاح الزيارة؛ إذ يسعى كلُّ طرفٍ لتقديم الحدث الدبلوماسي كإنجازٍ على الصعيد الداخلي والخارجي.
ومن جهة أخرى، أفادت برّو أن السياسات التي يتبنّاها الرئيس ترامب من خلال رسومه الجمركية التي فرضها على العديد من دول العالم؛ يمكن أن تسرّع التوجُّه إلى عالم متعدد الأقطاب؛ خاصة أن واشنطن أبعدت دولًا عديدة، بينما قرّبتها من دولٍ أخرى مثل الصين وروسيا، بما في ذلك الهند التي أدّت الضغوط الأمريكية، وفرض رسوم جمركية عليها، إلى تقاربها أكثر من موسكو وبكين.
ويعكف الجانب الأمريكي على ضمان أن تتمخّض الزيارة عن التزامات واضحة بشراء السلع الأمريكية، وهو ما يشمل طائرات بوينغ، التي ستكون أول صفقة كبيرة للصناعة الأمريكية منذ ولاية ترامب السابقة، إضافة إلى فول الصويا، الذي شهد انخفاضًا ملحوظًا في صادراته إلى الصين مقارنة بالعام 2016.
فيما نفت برّو أن تكون زيارة ترامب إلى الصين قد تشكل أي تفوقٍ للنفوذ الصيني على الولايات المتحدة الأمريكية، مع أن هناك قلقاً أمريكياً من تنامي نفوذ الصين، وأكبر دليل على ذلك هو الاستعراض العسكري الذي أقامته بكين بحضور الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون؛ ما أثار قلقًا أمريكيًا واستفزازًا لترامب الذي وجّه رسالة إلى الرئيس شي قائلًا": "بلِّغ تحياتي إلى الزعيمين الكوري والروسي"، و"أنتم تتأمرون على بلادنا".
وفي سياق متصل، أجرى كبار المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين من الطرفين سلسلة من المحادثات، حيث شدد وزير الخارجية الصيني وانغ يي على ضرورة إدارة الخلافات، وتعزيز استقرار العلاقات، فيما أكد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث على أن واشنطن لا تسعى لتغيير النظام أو “خنق” بكين.
وتعتقد برّو أن توصُّل الجانبين لاتفاق، مؤخرًا، بشأن "تيك توك"، وهو ملف أساس جدًا بالنسبة للرئيس ترامب، الذي يريد شراءه من الصين وحدد مُهلةً لإتمام عملية البيع قبل أن يتم حظره في الولايات المتحدة الأمريكية ومدَّد المهلة عدة مرات إلى أن عُقِدَت جولة المفاوضات بين الجانبين الصيني والأمريكي في مدريد، مؤخرًا، وتم الاتفاق على إطار عمل بشأن صفقة "تيك توك"، ما هو إلى علامةٌ على رغبة الطرفين في تخفيف التوترات بينهما من أجل عقد قمة الرئيسين ترامب وشي.
وأضافت برّو أن ترامب من المؤكد أنه يريد عقد الصفقات مع الصين، لكن بالمقابل لن يسمح لبكين بأن تتفوق على واشنطن، نظرًا لأنه يحمل شعار "أميركا أولًا" الذي يدعو للعصر الذهبي لأمريكا؛ إذ على الرغم من أن ترامب يحاول أن يكون إيجابياً ولطيفاً مع الصين، لكنه بالمقابل يحاول تقييد النفوذ الصيني مثلاً من خلال الاتفاقيات التجارية التي عقدها مع العديد من الدول القريبة من الصين.
وبينما يخطو ترامب نحو بكين، تظلُّ الصورة الدولية له على المحك؛ إذ يعتمد نجاح الزيارة ليس على التوقيع على صفقاتٍ اقتصادية فحسب، بل على كيفية تقديم هذه الصفقات كإنجازٍ سياسي يعكس نفوذ أمريكا وقدرتها على تحقيق مصالحها في مواجهة التحديات العالمية.
واختتمت برّو قائلةً أنه وحتى لو عُقِدَت القمة بين الرئيسين شي جين بينغ ودونالد ترامب، فمن الممكن أن نشهد توتراتٍ لاحقةً في العلاقات بين البلدين، ومثال على ذلك أن الرئيس ترامب زار الصين في ولايته الأولى ومع ذلك قُبيل نهاية ولايته وصلت العلاقات بين البلدين إلى مرحلة متدنية جدًا.