ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء
في خطوة غير تقليدية تحمل دلالات كثيرة، قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يقود بنفسه مفاوضات التسوية بين موسكو وكييف، متجاوزًا القنوات الدبلوماسية المعتادة، في محاولة لوضع حد لحرب تستنزف الطرفين منذ أكثر من عامين.
وقال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض بولاية نيوجيرسي: "سأضطر لإجراء مفاوضات أوكرانيا بنفسي، نظرًا لمستوى العداء العالي جدًا بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفلاديمير زيلينسكي، خاصة وأنّهما يكرهان بعضهما بشدة لدرجة أنهما غير قادرين على التحادث معًا".
وكان ترامب قد اجتمع مع بوتين في ولاية ألاسكا يوم 15 آب/ أغسطس الماضي، ثم التقى بعدها زيلينسكي وعددا من القادة الأوروبيين في واشنطن، حيث أعلن أن العمل جارٍ على الإعداد للقاء ثنائي بين بوتين وزيلينسكي، على أن يتبعه لقاء ثلاثي يضم روسيا وأمريكا وأوكرانيا.
وفي المقابل، أعلنت موسكو استعدادها للدخول في لقاءات مع الجانب الأوكراني "بشرط أن تكون هناك أجندة جوهرية للمناقشات".
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن بإمكان زيلينسكي القدوم إلى موسكو، لكن كييف رفضت هذه الفكرة، ما يعكس حجم الفجوة بين الطرفين، ويدفع ترامب للتأكيد أن مبادرته الشخصية قد تكون السبيل الوحيد لكسر الجمود.
ومنذ إدلاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهذا التصريح وقيادته للمفاوضات بنفسه، أثيرت العديد من التساؤلات عما إذا كان ترامب قادرًا على فرض صيغة للسلام بين خصمين "لا يكادان قادرين على الحديث معًا"، بحسب تعبيره.
يرى الخبراء، أن دخول الرئيس الأمريكي على خط الأزمة الأوكرانية بصفته "المفاوض الأول" يعكس إصراره على إدارة الملف بنفسه بعيدًا عن الصيغ الدبلوماسية المعتادة، وهو ما يعني عمليًا استسلام أوكرانيا أمام روسيا، خاصة في ظل ما تم التوصل إليه مسبقًا بينه وبين بوتين.
ويعتبر الخبراء في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن واشنطن لم تعد معنية بإطالة الصراع، بعد أن باتت تركز على ملفات أكثر أهمية مثل المنافسة مع الصين والأوضاع في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، هو ما يوضح أن ترامب يتجه لحسم النزاع بيده وإنهاء الحرب على حساب كييف.
في البداية، قال رامي القليوبي، الأستاذ بكلية الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن ينجح فورًا في حل النزاع بين موسكو وكييف، لأن النزاع الروسي الأوكراني معقد، ولا يجوز التعامل معه كأنه صفقة عقارات في نيويورك.
وأضاف القليوبي لـ"إرم نيوز" أن النزاع الأوكراني ذو طبيعة معقدة، فهو يبدو من جهة كأنه حرب بين دولتين مستقلتين، ومن جهة أخرى أشبه بحرب أهلية بين شقيقين لهما تاريخ مشترك، ومن الصعب إنهاء هذا النوع من الصراعات عبر حلول وسط.
وتابع القليوبي: "في الوقت نفسه، قد ينجح ترامب في إنهاء هذه الحرب في نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل، خاصة وأن هناك انطباعا بأن روسيا وأوكرانيا بدأتا تشعران بالإرهاق من إطالة أمد الحرب الروسية وتداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

وأشار القليوبي إلى أنه على المستوى السياسي، يمكن لكل طرف أن يبرر المشاكل أمام الرأي العام الداخلي بأننا في حالة حرب أو عملية عسكرية، كما هو الحال في روسيا، لكن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية تتفاقم، ولا يمكن تحمّلها إلى ما لا نهاية.
موقف أمريكي ساخر
من جانبه، قال د. محمود الأفندي، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إدارة مفاوضات النزاع بين روسيا وأوكرانيا بنفسه أمر مثير للسخرية، مشيراً إلى أن ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفقا على كافة التفاصيل خلال قمة ألاسكا.
وأضاف الأفندي لـ"إرم نيوز"، أن تدخل ترامب شخصيًا في حل النزاع بين روسيا وأوكرانيا يعني عمليًا استسلام أوكرانيا، وهو ما تم الاتفاق عليه بالفعل بينه وبين بوتين خلال القمة، وأن هذا التطور يعكس بوضوح أن أوروبا لم تعد ذات وزن أو تأثير في هذا الملف، خاصة وأن ترامب منح جميع الأطراف مهلاً متكررة وقد تم استنفادها بالكامل.
وأشار إلى أن تصريحات المبعوث الأمريكي في كييف حملت إشارة واضحة إلى أن "أوكرانيا لم تخسر الحرب طالما احتفظت بما تبقى من أراضيها"، وهو ما يُعد اعترافا أمريكيا بسيطرة روسيا على المقاطعات الأربع، بالإضافة إلى جزيرة القرم.
واستطرد قائلا: "هذا التصريح يعكس نية الإدارة الأمريكية، بقيادة ترامب في إعلان استسلام أوكرانيا أمام روسيا، تمهيدًا لإنهاء الحرب والحفاظ على ما تبقى من الأراضي الأوكرانية".
عقوبات أمريكية ضد روسيا
وقال المحلل السياسي، إن ترامب وضع شرطا تعجيزيا فيما يتعلق بالعقوبات التي يهدد بفرضها على روسيا، حيث اشترط توقف دول "الناتو" عن شراء النفط والغاز من موسكو، وهو شرط من الصعب تحقيقه، وأن هناك دولاً لا يمكنها الاستغناء عن الغاز الروسي، مثل المجر وسلوفاكيا وتركيا، التي تملك عقودا مباشرة مع روسيا وتستورد مليارات الأمتار المكعبة من الغاز.
وتابع الأفندي قائلاً إن "من المستحيل أن توافق تلك الدول على هذا الشرط، ما يعني أن ترامب لن يتمكن فعليًا من فرض عقوبات قاسية على روسيا".
وأوضح أن تدخل ترامب قد يحسم الحرب، ما يعكس حقيقة أن الولايات المتحدة لم تعد ترى مصلحة مباشرة في استمرار الصراع بين روسيا وأوروبا على الأراضي الأوكرانية، خاصة في ظل تركيز واشنطن الآن على ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة لها، كالمنافسة مع الصين، والتطورات في القارة الأمريكية، وما يحدث حالياً في فنزويلا، إضافة إلى قضايا الشرق الأوسط مثل الأحداث في قطر، والحرب التجارية مع الصين.