أظهرت قمة منظمة شنغهاي للتعاون، تحولًا واضحًا في مكانة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الساحة الدولية؛ فبعد سنوات من العزلة عقب غزو أوكرانيا في 2022، بدا بوتين محاطًا بالترحيب من قادة الصين والهند وتركيا وإيران.
وذكر تقرير أوردته صحيفة "نيويورك تايمز"، أن المشهد الذي ظهر به بوتين عكس نجاح روسيا في إعادة بناء شبكة علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية بعيدًا عن الغرب.
وترى مصادر مطّلعة نقلت عنها الصحيفة أن روسيا تُواصل بناء تحالفات دفاعية إستراتيجية مع دولٍ، مثل: الصين والهند وتركيا، لتأمين اقتصاد الحرب الروسي والحفاظ على شبكة علاقات تضمن دعمًا سياسيًّا مستمرًّا، وهذه الإستراتيجية الدفاعية-الدبلوماسية تسمح لبوتين بالموازنة بين الضغط الغربي والحفاظ على مصالح روسيا الحيوية، دون الدخول في مواجهة مباشرة مع القوى الأوروبية الكبرى.
ورأى التقرير أنه على الصعيد السياسي، استخدم بوتين القمة لتوجيه اللوم للغرب حول الحرب في أوكرانيا، فيما بدا أن الدول الحاضرة تتعامل مع الصراع كأنه مسألة خارج جدول أعمالهم المباشر، وقد أعطت لقاءاته الطويلة مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وظهوره المتكرر مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، إشاراتٍ إلى تحالفات جديدة أو على الأقل إلى شبكة توازناتٍ متعددة الأطراف، بعيدًا عن الضغط الغربي التقليدي.
وجاء في السياق أن سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دبلوماسيًّا، شكَّلت عاملًا غير مباشر في تعزيز موقع روسيا؛ فقد ساعدت مواقف ترامب وتصرفاته في تقويض الضغوط الغربية لدفع الدول الناشئة، مثل: الهند والبرازيل، للابتعاد عن روسيا، وهذه الديناميكية سمحت لبوتين باستغلال الفراغ السياسي وإظهار روسيا كشريك مستقر نسبيًّا مقارنةً بالاضطرابات الغربية؛ ما عزز مكانته على الساحة الدولية.
وفي صعيد متصل، لا يزال بوتين من جهة عسكرية يعتمد على استمرار قدرة بلاده على الدفاع عن حدودها ومشاريعها الإقليمية، مستفيدة من ترسانة نووية قوية، ووضع عسكري مستقل، وقدرة على بسْط القوة خارج الحدود، ورغم استمرار الصراع في أوكرانيا، فإن روسيا تمكَّنت من الحفاظ على وجودها العسكري والاقتصادي، مع الحفاظ على خطوط دفاعية وإستراتيجية تضمن تقليص تأثير الحرب في الداخل الروسي.
من جانبها، وفي إشارة لافتة، لاحظت خبيرة الاتصال الدولي ماريا ريبنيكوفا من جامعة جورجيا أن الحرب في أوكرانيا بدت وكأنها "مقبولة بطريقة ما"، مضيفةً أن المشهد خلال القمة كان أشبه بـ"مزاولة النشاطات الدولية الاعتيادية وكأن الحرب لم تكُن موجودة"، وفق قولها.
في المقابل، وصفت وزارة الخارجية الأوكرانية البيان الختامي للقمة بأنه "مفاجئ"، مشيرةً إلى أنه لم يُشِر على الإطلاق إلى "أكبر حرب عدوانية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية"، رغم ذكره لعدد من الحروب والهجمات الإرهابية والأحداث العالمية الأخرى.
من جهةٍ أخرى ورغم هذا النجاح النسبي، يظلُّ النفوذ الروسي محدودًا في بعض الدول التي تعتبر تقليديًّا ضمن "النفوذ الروسي"، مثل: أذربيجان وأرمينيا، حيث تدخلت الولايات المتحدة مؤخرًا كوسيط في اتفاقات السلام؛ ما يظهر أن موسكو تواجه تحديات في الحفاظ على قبضتها الإقليمية التقليدية.
مع ذلك فإن القمة في تيانجين لم تكُن مجرد حدث سياسي، بل رسَّخت مكانة روسيا كفاعل دولي قادر على إعادة ترتيب توازن القوى في أوراسيا، مستفيدة من ضعف الاستقرار الغربي والتحولات في مواقف القوى الناشئة، فيما يواصل بوتين تعزيز وجود روسيا السياسي والدبلوماسي والعسكري على المسرح العالمي، وفق الصحيفة الأمريكية.